المقدمة

لا يكاد يخطر في بال ذاكري قصة سيدنا يوسف عليه السلام شيء قبل عفافه وإخلاصه، وحسنه وكمال خَلقه، وهو ما سمعنا عنه طوال السنين، فقد خُلق سيدنا يوسف عليه السلام بنصف جمال مخاليق الأرض مجتمعة، وزاد على ذلك اتّصافه بحسن الخُلق من عفاف، وإخلاص، ونباهة، وهو الأمر الذي جعل أباه -سيدنا يعقوب عليه السلام- يُسرف في حبه عن غير قصد، فأمر القلب لا بدّ مفعول، ولأنّ الحب لا يستره ساتر، ولا يخفيه سلوك علم إخوة يوسف أنّ حبّ أخيهم قد تمكّن من أبيهم وقلبه، فأوقع ذلك في قلوبهم الحسد والضغينة، ومن هنا بدأت قصة الرسول الكريم.


انتقام الأخوة

لمّا أحس يعقوب عليه السلام بكيد إخوة يوسف حاول جهده حمايته منهم إلى أن جاء ذلك اليوم الذي خطط فيه إخوة يوسف للانتقام من أخيهم، فطلبوا من أبيهم اصطحابه في رحلة إلى البر، فأحس الوالد بخطر الانتقام ما جعله يرفض الأمر بالبداية إلّا أنّه وبعد إلحاح طويل منهم وافق مُكرهاً، وهناك ولما دقّت ساعة الانتقام أجمعوا على إلقاء يوسف الكريم في أعماق جبّ للماء لا يقترب منه أحد، ظنّاً منهم أنهم بذلك يحكمون عليه بالهلاك، وعادوا يحملون قميصه وعليه دم زائف باكين لأبيهم، شاكين إليهم غدر ذئب أكل أخيهم الحبيب.


حزن يعقوب أيما حزن على ولده، لكنّه فوّض أمره لله، وما خاب من فوّض أمره لرب الخلائق الذي أرسل قافلة مارّة من جانب الجب، ولمّا أدلو بدلائهم سمعوا صوت يوسف فانتشلوا الغلام الكريم وباعوه في سوق نخاسة ليشتريه عزيز مصر خادماً له.


عاش يوسف وتنعّم بقرب العزيز، ولمّا شبَّ واشتدّ عوده بلغ من الوسامة والجمال مبلغهما، ولمّا كان للشيطان وساوس قد تُضعف النفس البشرية أحياناً ضعفت زوجة العزيز أمام وسامة الشاب وجماله، فراودته عن نفسه فأبى خوفاً من الله وورعاً، وراح يركض إلى الباب هارباً من فتنتها، فلقيهما العزيز عند الباب، فاشتكت زوجته يوسف إليه، فزُجّ به في السجن ظلماً إبعاداً له عن زوجة العزيز، ومداراة للفضيحة.


فرج الله لا بدّ آت

عُرف يوسف في السجن بتقواه وصلاحه، فطلب منه أحد السجناء تفسير رؤياه، وكانت رؤياه تشير إلى أنّه سيصبح من بطانة الملك، وذلك ما دفع يوسف للطلب منه أن يذكره عند الملك حينها، وبعد سنين رأى العزيز رؤيا طلب من بطانته تفسيرها فلم يستطع ذلك أحداً، وهو ما أعاد إلى ذلك الرجل ذكرى يوسف، فأخبره عنه، وطلبه، ففسر له رؤياه التي تقتضي حدوث مجاعة بعد سنين رخاء، مما جعل العزيز يعدّ لهذه السنين الجافة العدّة، وهو ما حمى مصر من القحط فعلاً، وحينها عيّن العزيز يوسف على خزائن مصر بعد أن اعترفت زوجة العزيز ببراءته.


عودة الحق

أجدبت كلّ الأراضي عدا أرض مصر التي احتاط أهلها لذلك، فقدم كل التجار إليها يطلبون المعونة، وكان منهم إخوة يوسف الذين دخلوا عليه طلباً للمعونة ولم يعرفوه، فطلب منهم إحضار أخيهم (أخوه من أبيه وأمه) ليقدّم لهم ما طلبوا، فعادوا إلى أبيهم يطلبونه، فوافق على مضض مستذكراً ما فعلوه بيوسف من قبل، ولما عادوا إلى مصر قدّم يوسف المعونة لهم، وأمر حاشيته بوضع كأس الملك في رحل أخيه ورهنه لديه جزاء لسرقته، فعاد الإخوة يتباكون إلى أبيهم الذي ابيضت عيناه من الحزن على ولديه، وطلب منهم العودة إلى الملك وسؤاله أن يعيد لهم ابنه رأفة بحاله، فلما شرحوا ليوسف حال أبيهم المضني طلب منهم أن يأخذوا قميصه فيلقوه عليه، ففعلوا، ولما شمّ ريح يوسف من على القميص عاد إليه بصره، وعادوا جميعاً إلى مصر بعد أن عرفوا أنّ والي خزائن مصر هو يوسف.


الخاتمة

دخل سيدنا يعقوب وزوجته، وأولاده إلى قصر يوسف وسجدوا أمامه حمداً لله، فكان ذلك تفسير الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام حينما رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين.