مقدّمة

سألني صديقي مرة سؤالاً فلسفياً فقال: ترى كيف تستطيع أن تشرح ماهية اللون الأحمر أو الأخضر أو أيا كان لشخص كفيف يا مراد؟ حيّرني سؤال صديقي الذي لم أفكر به قبل هذه المرة، واستدرجني إلى حيث لم أتوقع من أفكار، ياه كم هي نعمة البصر، والاستمتاع بما حولنا وبما في الكون من ألوان نعم عظيمة! فقط قلي هل لك أن تتخيل العالم كاملاً رمادياً بلا لون!.


عالم بلا ألوان

رأيت نفسي خارج هذا العالم وأمامي باب رمادي اللون لم يكن أمامي خيار سوى فتحه، فتحته لأتفاجأ بمنظر باهت للعالم من حولي، رغم أنه هو ذاته العالم الذي أعرفه، وأعيش فيه، إلّا أنه عالم رمادي سُلبت ألوانه، كيف لا أدري!، نظرت حولي فرأيت الأشجار قد فقدت خضرتها ونضارتها، وقد شابه لون الأزهار فيها لون الأوراق والثمار، وكذلك لون الأغصان! فاستعذتُ بالله من الشيطان الرجيم، وفركت عيني ظنّاً منّي أن ضبابية بالرؤية قد أصابتني، ولمّا فتحت عينيّ أستجدي شعوري ونعمة البصر فييّ لأرى الأشياء على حقيقتها من جديد، والكون على بهجته كما اعتدت، لم أفلح.


أدرت عيني فرأيت الحيوانات ترعى في المراعي لا لون لها هي الأخرى، فقد شابه لون الخراف البيضاء الجميلة فيها لون الخيول البنية والسوداء، ولون العصافير البديعة، أمّا السماء فرمادية لا غيوم فيها أو لربما فيها من الغيوم ما لم أره بسبب وحدة اللون، وهناك أوه! إنها الشمس وقد فقدت بريقها وما تبعثه بنا من نشاط بأشعتها الذهبية كل صباح، وأضحت رمادية هي الأخرى، لحظة لحظة! أهذه هي الشمس أم هو القمر؟ والله لا أدري فقد التبس عليّ الأمر كلّه.


أدرت نظري الناحية الأخرى ترى أين هي زرقة البحر التي يتغنى بها الشعراء، وأين هو اصفرار سنابل القمح الذهبية، وما هي ألوان هذه الفراشات والعصافير التي تطير حزينة في الجو باحثة عن معنى الحياة فيها! لقد بدا كل شيء كئيباً كما لم يبدُ من قبل، إلهي أهذا كلّه بسبب الألوان التي كنت أظنّها شيئاً كمالياً لا نفع من وجوده، ولا ضرر من انعدامه!


جلستُ تحت الشجرة حزيناً لا أصدق ما أرى، أستذكر ما كنّا به من نعمة تبعث في الروح الحياة وفي النفس الأمل، فالألوان على تدرجاتها تدفعنا لرؤية الإبداع والجمال في خلق الله سبحانه وتعالى، فأي نعمة قد فقدنا!!


الخاتمة

تصببت منّي دموعي وأنا اتخيل شكل حياتنا الجديد الذي ستكون عليه، فأخذت أمسحها بيدي بحزن، وبينما أنا كذلك استيقظت على ضربة خفيفة على رأسي، فإذا بها مخدة ألقاها عليّ اخي خالد لأستيقظ من نومي، مهلاً مهلاً أهي مخدة حمراء فعلا؟! نعم إنها حمراء حقاً، وهذا العالم من حولي قد استعاد ألوانه البهية، ياه الحمد لله على أنّه كان كابوساً وانقضى، الحمد لله على نعمة الألوان يا الله!.