المقدمة

خلق الله الإنسان وميّزه بعقله وتفكيره عن الخلائق كلّها، وهو ما أثبته منذ فجر التاريخ حيث بدأ باستغلال الموجودات البسيطة من حوله لقضاء حاجاته، ومن ثم بدأ بممارسة عملية التفكير لتركيبها واستخدامها بشكل أكثر تعقيداً، ولما تطوّر العلم وتشعبت فروعه برز علماء النفس والتفكير، وقسموا التفكير إلى أنواع تبعاً لمدارس عدّة، وكان من أنواع التفكير هذه التفكير الناقد الذي اختلف على تعريفه العلماء، فكان لكل واحد منهم نظرته به.


التفكير الناقد

استغرقتُ بين رفوف علم النفس وأنماط التفكير في المكتبة العامة ساعات، فأنا من هواة القراءة، ولا سيما الكتب المتعلقة بعلم نفس الإنسان، وطريقة تفكيره، وأنماط هذا التفكير، وكان مما وقعت عليه عيني كتاب عن التفكير الناقد، والذي كنت قد سمعت عنه مرة لكنني لم أبحر في مركبه، ومن هنا قررت أن أفتح أحد هذه الكتب للتعرف على معناه، فوجدت أنّه مثله مثل بقية حقول العلم والمعرفة النظرية يحتمل آراء مختلفة، وتعريفات متباينة.


قضيتُ في المكتبة ساعات عدّة وصفحات تقدّمني إلى صفحات، وأفكار تعيدني إلى أفكار، وسطور تتجاذبني وتهديني إلى سطور، وكانت عصارة هذا البحث المتواصل حول التفكير الناقد هو انّه تفكير عقلاني تأملي وذلك يعني أنّه مرحلة متقدمة من مراحل التفكير يستخدم فيه الشخص المفكر خبراته، وخلاصة ما مرّ عليه من مواقف سابقة في التحليل، والاستقراء، والاستدلال للوصول إلى نتائج تفيد في اتخاذ القرارات المتعلقة بما يفكر به، أي أنه عملية ذهنية منضبطة يقوم فيها الشخص بتقييم المعلومات وتحليلها للوصول إلى النتائج المرجوة.


كما أنّ لكل نوع من أنواع التفكير أهمية خاصة في حياة الإنسان، فإنّ للتفكير الناقد أهميته، فالشخص الذي يمارس التفكير الناقد في كافة مجالات حياته العلمية والعملية يتميّز بأنه شخص قادر على حل مشكلاته الحياتية والعلمية بشكل منهجي وعقلاني نتيجة لتتبعه أسلوباً منطقياً ومتسلسلاً أثناء نظره للمسائل، مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج تجارب الآخرين بعين الاعتبار، مما يمنحه أفضلية تنافسية في حياته العملية في سوق العمل التنافسي، وليس ذلك وحسب بل ينعكس تفكير الشخص الناقد على حياته الشخصية، وأسلوب تعاطيه مع الأشخاص والمواقف من حوله بالإيجاب طبعاً، فترى الإنسان الذي يمارس هذا النوع من التفكير إنساناً منفتحاً يسهل عليه تحديد المشكلات بشكل محايد، والتوجّه إلى حلّها دون تعقيد، والتفكير النااقد مهارة يمكن للشخص اكتسابها مع مرور الوقت إن هو خطط لذلك، واطلع على خطوات اكتسابها، ومارسها تدريجياً خلال مواقف حياته.


الخاتمة

يتميّز الإنسان عن باقي المخلوقات الأخرى بعملية التفكير التي هي أساس تفاعله مع كافة الأشخاص والمواقف من حوله، وإنّ من أرقى أنواع التفكير: التفكير الناقد الذي يدعو صاحبه للنظر للمواقف من زاوية تعرض له كافة المعلومات لتحليلها، واستقرائها، واستخلاص النتائج على أساسها.