المقدمة
كثيرون هم الطلاب في كل صف، لكن قلّة هم الطلاب المجتهدون فيه، والذين يحفرون أسماءهم في ذاكرة معلميهم ومعلماتهم مهما تقدّم بهم الزمان، فها هو أبي واحد منهم، وذلك ما رأيته بأمّ عيني اليوم عندما كنّا في السوق نشتري حاجيات المنزل، ولمح أبي رجلاً كبيراً بالسن أبيض الشعر، فنظر إليه طويلاً، ثمّ انطلق نحوه وأنا لا أدري ما الأمر، وعندما تبعته سمعته يسأله إن كان هو الأستاذ غسّان، فأجابه الرجل الكبير بأنه هو، لأفهم بعدها أنه من علّم أبي في الصف السابع منذ 33 عاماً.
الطالب المجتهد
سقطت من عينيّ أبي دمعة، بينما اغرورقت عينا الأستاذ الجليل غسان بالدموع لمّا عرّفه أبي على نفسه، وقبّل يده، ثمّ عرّفه علي، ابتسم الأستاذ غسّان وقال لي: أهلا يا عم، أتمنى أن تكون طالباً مجتهداً مثل والدك، فقلت له: إن شاء الله يا أستاذ غسان، فكما يقول المثل "هذا الشبل من ذاك الأسد".
قال: لا زلت أذكر والدك، وسأظلّ أذكره فالطالب النجيب لا يُمحى أثره الطيب من الذاكرة.
ابتسم أبي، وقلت أنا: ياه، حتى بعد كل هذا العمر؟!.
قال المعلم: حتى بعد هذا العمر، فالطالب المجتهد له صفات تجعله خالداً بالذاكرة بأدبه، وعلمه.
قلت: وما هي يا أستاذي الجليل؟
قال: يجب أن يتميّز هذا الطالب النجيب بأدبه وخلقه الحسن قبل علمه، فيحترم معلميه، وزملاءه، وقوانين المدرسة التي هو فيها، فتراه منضبطاً فيها لا يؤذي زملاءه في الفصل، ولا يتجاوز حدوده في التعامل، أمّا ذلك الطالب الذي يتميّز بعلمه، لكنه يُعرف بعدم احترامه للمكان الذي هو فيه، فلا فائدة من علمه بالنسبة لي.
قال أبي: بالتأكيد يا أستاذي، هذا ما أربي عليه أبنائي الآن حفظهم الله.
قال المعلم غسان: وهو المطلوب، بارك الله فيك، فالعلم بلا أدب كبستان جميلة أزهاره لكن لا رائحة فيه.
قلت: معك حق والله، ثمّ ماذا يا أستاذي؟.
فقال: والطالب المجتهد يا بني طالب يقوم بواجباته دون حجج ولا أعذار، فيتمّها على أكمل وجه، كما أنه يعطي كل انتباهه لمعلمه في الحصة فلا يضيّع على نفسه أي معلومة، وهو طالب يعدّ دروسه في البيت ويحضّرها؛ ليعرف ماذا سيشرح المعلم في الحصة اليوم، فيشاركه ويتفاعل معه، وهو ما يسرّ المعلم ويرضيه، وهو طالب لا يخجل من السؤال عن أي شيء لم يفهمه، كما أنّه يضيف معلومات مما يعرف إن كانت تتناسب مع عنوان الدرس، وهو متأنٍ في امتحاناته غير متعجّل خوفاً من الخطأ، وهو يتعلّم من أخطائه لكي لا يكررها مرة أخرى.
الخاتمة
سلّم أبي على معلّمه بعد أن دعاه لتناول طعام الغداء معنا الأسبوع المقبل، وعدنا إلى المنزل وكلّي فخر بأبي الذي حفر اسمه في ذاكرة معلميه رغم كل هذه المدة، وقررتُ أن أقتدي به وأكون طالباً نجيباً لا يُنسى.
للمزيد من مواضيع التعبير: تعبير عن طلب العلم، تعبير عن مفتاح النجاح