مقدمة

أيها الجاحد فضل والديك تعال وتدبر معي هذه الآيات من سورة الإسراء (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِالولِدَيْنِ إِحْسنًا ۚ* إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) أتظن أنّ الله تعالى أمرك ببر والديك، ورعايتهما عند كبرهما، وعدم التأفف في وجهيهما عبثاً؟ أم أنّ ذلك كان لفضلهما الكبير عليك والذي لن تستطيع إدراكه مهما طال بك الزمان إلّا عندما تصبح أباً أو تصبحين أمّاً تدرك كم يبذل هذان الوالدن من جهد في تربية أبنائهم وبناتهم؟ لا شكّ أنّ الله أعلم بكم هذا الجهد، وما هذه الآيات إلّا لتقف وتتدبر، وتبصر، وتقدر تعبهما لأجلك وفضلهما عليك الذي لا ثمن له.


فضل الوالدين

فضل الوالدين ممتد منذ ولادة الأبناء وحتى آخر يوم في حياة الآباء، بل هو ممتد من قبل ولادتهم حتى، فكيف لك أن تنكر تعب والدتك التي حملتك تسع شهور دون أن تتخلى عمّا أهداه الله إياه من حمل -وهو أنت- للحظة واحدة؟ لقد كابدت تعب وحامها، وحملها إياك، وترقرق عظامها، وما تشعر به من دوار، وضيق في التنفس وغيرها من أعراض حمل بل وكانت سعيدة، وراضية بها في سبيل أن تراك تشق سبيلك في هذه الحياة، وبعدها تحملت ما لا يتحمله مخلوق من آلام مخاض وولادة لتضمّك فور رؤيتك إلى صدرها، وذلك الأب العطوف الذي راح يكدّ ليل نهار في حر الشمس وبرد الشتاء ليؤمن مصروف ولادتك وما يلزمك بعدها من حاجات!.


وبدأت قدماك الصغيرتان تلامسان الأرض وهما يركضان خلفك بلا كلل ولا ملل يزيلان من طريقك ما قد يضرك، ويقربان منك ما قد يفرحك، يعلّمانك المشي، واكتشاف الأشياء، وترتسم على شفتيهم عند رؤيتك تبتسم أجمل الابتسامات، يسهران لمرضك فلا يعرفان النوم إلا عندما تتعافى، ويحزنان لحزنك فلا يهدآن إلا عندما تعاودك الضحكة، يفرحان لفرحك ويتألمان لألمك، يحرمان نفسيهما من ما يشتهيان من مأكل ومشرب، وملبس ليوفران لك ما تحتاجه، وما ترغب به، تأكل أنت فيشبعان، وتلبس فيلبسان.


أمك التي تحرم نفسها من قسط راحة أو نوم في سبيل توفير ما تحتاجه من طعام، وشراب، وملابس نظيفة ومطوية، ومذاكرة وغيرها الكثير الكثير، أمّا والدك ففي الخارج ينحت في الصخر حتى يؤمن لك ما تحتاجه من نقود، وهو يحلم بذلك اليوم الذي تتخرج فيه وتصبح شيئاً عظيماً في هذا المجتمع، ويظل هذا الحلم يراودهما حتى يتحقق، فتتخرج وتلتفت أنت لمستقبلك ووظيفتك، ويظلّان واقفان يحرسانك بدعائهما الدائم في جوف الليل.


الخاتمة

أنت غارق في مستقبلك وبيتك الصغير الذي أسسته بعد أن وضعاك على أول الطريق وأخذا بيدك فيه، أمّا هما فقد اصطفاهما الرحمن إلى جواره فهذه سنة الحياة، وتمر الأيام والسنون وتصبح أباً أو تصبحين أمّاً، فتكابدان الحياة من أجل أبنائكم، وتشعرون الآن بفضلهم حقاً بعد أن اختبرتم من صعوبات الحياة من أجل أبنائكم ما اختبروه من أجلكم، فاغتنموا حياتهم، واعترفوا بفضلهم، وادعوا الله أن يرزقك برهم قبل وفاتهم.


للمزيد من مواضيع التعبير: تعبير عن بر الوالدين، تعبير عن طاعة الوالدين