المقدمة
لطالما حفظنا في مدارسنا وكتبنا أركان الإيمان، والتي تعني الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره، لقد حفظناها عن ظهر قلب، وفهمنا معناها البسيط لصغر سننا، وبساطة تفكيرنا، إلّا أننا كبرنا وعلمنا أن لهذا المصطلح العميق معان عظيمة أخرى، وأبعاد أكبر مما كنّا نظن، فالإيمان هو ما استقرّ في القلب، وصدّقه العقل، وتبعه العمل، وظهر على الجوارح، وهو في فحواه التصديق والاعتقاد بفكرة ما حتى تجري من الإنسان مجرى دمه.
صور الإيمان
للإيمان صور عدّة، ومعان مختلفة، وأبعاد عميقة أولها وأهمها الإيمان بالله تعالى وبكل ما أنزله على عباده المسلمين، فإنما الإسلام هو خطوة أولى في طريق الإيمان، ومتطلب أولي له، فالإسلام هو التسليم والإذعان لله تعالى وأوامره، أمّا الإيمان فهو الاعتقاد اعتقاداً جازماً بالله، ووجوده رغم عد رؤيتنا له، والشعور برقابته في حركاتنا وسكناتنا، وبأنه الخالق، والرازق، والحي والنور الذي يضيء القلوب وسبل الظلام، وبما خلقه من ملائكة تحيط بنا فتحفظنا بأمر، وترقب أعمالنا بأمره، وتلازمنا بأمره، والإيمان بأقدار خفية هي ما خطّ مصائرنا، ورسم سُبل حياتنا بكل ما فيها من تفاصيل، والإيمان بكتب منها القرآن والتوارة والإنجيل والزبور -قبل تحريفها-، وما جاء فيها من أحكام، وأوامر ونواهٍ ونصوص.
والإيمان بالله مراتب أوردها الرسول الكريم في حديثه الشريف حين قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فالإيمان إذن فعل والتزام بأوامر الله تعالى، وسلوكات تظهر في خلق المسلم، فليس من الإيمان فصل الاعتقاد عن العمل كما نرى من بعض الأشخاص اليوم، والذين يبررون عدم التزامهم بأحد الفرائض بادّعائهم بأنّ الإيمان قاطن في الجنان لا علاقة له بالعمل، وعن إيمان القول فهو تقديم النصيحة، والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، أما إن لم يملك الإنسان من أمر من حوله شيئاً فاستنكار ما يراه في قلبه إيمان أيضاً.
ومن صور الإيمان أيضاً إيمان الإنسان بنفسه، وأفكاره، ومعتقداته وأهدافه إلى درجة تجعله يراها أمامه حقيقة مؤكدة وإن كانت مؤجلة، فتراه يزاحم الخلائق، ويناطح السحائب، ويسابق الريح، ويكدّ ليل نهار لتحقيقها ورؤيتها جزءاً من واقعه يلمسه بيديه، والإيمان طاقة سحرية لا شرح لها ولا تفسير تحرّك الإنسان كما لا يمكن لشيء أن يحركّه، فترى الإنسان المؤمن باعتقاداته وأفكاره، وآرائه وأهدافه يهبُّ ضارباً بكل المعيقات عرض الحائط، ومتوجّهاً نحو هدفه لا يرى سواه، والإيمان بذرته الفكرة التي لا تموت وإن مات صاحبها، ومثلها مثل دعوة الأنبياء والرسل وخاصة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلّم-، وما قدّمه للبشرية من رسالة باقية إلى يوم الدين حيّة لا تموت رغم موته.
الخاتمة
إنّما الإيمان شعور خفي موطنه القلب والروح، ومجراه الدم والعروق، وكتابه العمل والجوارح، وهو ما يمنح حياة الفرد قيمة عليا لن يجدها إلّا به.