نعمة الأم

نظلم وجودها وكينونتها إن قلنا أنها من أعظم النعم، فهي أعظم النعم على الإطلاق، كيف لا وهي مَن تُزهر لأجلها الرياحين، وتغرّد لعينيها عصافير البساتين، وترتسم الابتسامة عند رؤيتها على الوجه الحزين! وهي مَن قال فيها قال الشاعر وبعده الشعراء أجمعين:

العَيْشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْكَ بِهِ

والأُمُّ أَوْلَى بِـإِكْرَامٍ وَإِحْـسَانِ

وَحَسْبُهَا الحَمْلُ وَالإِرْضَاعُ تُدْمِنُهُ

أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَالاَ كُلَّ إِنْسَانِ


إنّها الأم بلسم الجروح، ومفتاحٌ وهبنا إيّاه الخالق لدخول عليين.


وصف الأم

تلك التي تحتار في وصف حنوّها الكلمات، وتتوه عن الإحاطة بصبرها وحكمتها العبارات، إنّها الأمّ وما أدراك ما الأم، وما أدراك بما تلقاه في حياتهنّ الأمهات! فالأم حقل تزرع فيه البذور شهوراً طويلة تحمل فيهنّ طفلها وهناً على وهن، ورغبة ورهبة، فتشعر بكل حركاته وسكناته، وتحاكي كلّ تقلباته، حتى إذا جاء وقت الوضع ذابت روحها في سبيل إخراج جنينها إلى هذه الحياة بصحة وسلام، وما إن تلاقي عيناها عينيه، وتلامس يداها يديه فتشعران بنعومتهما ونعومة ملامحه، تنسى ما قاسته من أجله من ألم منذ دقائق قلال، ففي قلب الأم توضع عاطفة الكون التي لا توازيها عاطفة، فتراها تحنو رغم التعب، وتداوي رغم المرض، وتبتسم في وجه صغارها رغم مصاعب الحياة، وتحرم نفسها من ملذّات الدنيا لتوفّر لهم ما تشتهيه أنفسهم، والأم حضن الكسير، وفرحة كبير العائلة والصغير، وهي قنديل البيت الذي إن فُقد عمّت العتمة أركانه، وعانت من البرود جدرانه، وفقد المكان سكينته وحنانه، ففي صوتها تكمن الحياة في معانيها، وتعمّ البهجة بكلّ ما فيها، وكأنّها جنان وارفة الظلال بزهورها، وفراشاتها، وزرقة سمائها، وروابيها.


واجبنا تجاه الأم

للأم علينا حقّ تقرّه كلّ الأديان وأوّلها دين الإسلام، ففي الوفاء بحقّها قال النبي العدنان -عليه الصلاة والسلام- إذ سأله رجل: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال:أمك قال: ثم من؟ قال:أمك، قال: ثم من؟ قال:أمك، قال:ثم من؟ قال:أبوك"، ولم يكن هذا عبثاً؛ فما بذلته الأم في سبيل تنشئة أبنائها وتقديمهم للمجتمع بأبهى حلّة، وأقوَم خُلق، وأحسن علم يجعلها أهلاً لكل خير، وللأم على أبنائها حقٌّ في الإفصاح عمّا يكنّوه لها من مشاعر حبّ، وتقدير يشعرانها بأهميّتها وقيمتها على الدوام، كما أنّ لها حقّ الطاعة على أبنائها قولاً وفعلاً طالما ظلّ ذلك في إطار طاعة الخالق عزّ وجل، فلا يُعصى لها أمر، ولا يرفع صوتٌ فوق صوتها حبّاً ولا نهراً، كما أنّ لها على الأبناء حقاً في حسن الصحبة، ولُطف الحوار، ومبادلتها أطراف الحديث لكسر وحدتها ومللها لا سيما عند الكبر، بالإضافة إلى حقّها في النفقة وتوفير كامل الاحتياجات ما استطاع الابن او الابنة إليها سبيلاً، فلبرِّ الوالدين على وجه العموم، والأمّ على وجه الخصوص فضل وأجر يلمحهما البارّ في حياته قبل مماته، إذ يُبارك له في رزقه، وماله، وولده، وعمره أينما حلّ وارتحل، والعكس لكل عاقٍّ غير بارٍّ بها.


الخاتمة

الأمّ مشكاة النور، وأداة السرور، وبهجة الدور التي علينا أن نحافظ عليها ما حيينا، فهي الخير الذي إن غاب غابت معه ابتسامتنا، وانطفأت أنوار أعيننا، وهي باب دخولنا الجنّة الأول بإذنه تعالى، فيا رب ارزقنا برّها، ولا تحرمنا وجودها أبداً ما حيينا.