حب الوطن

ما اخترنا حبّك يا اوطان لكنّ الله قد اختاره، فحب الأوطان من الإيمان حبّاً يحتفظ بأسراره، لا نعيش في أوطاننا وحسب، بل أوطاننا هي ما يعيش فينا، فلأجلها يدقّ الفؤاد، وفي حبّها تنبض الروح نبض العاشق الذي لا يجد عن معشوقه تحويلاً ولا تبديلاً، وقد قال الشاعر مفدي زكريا تصديقاً لما سبق:


بلادي أحبك فوق الظنون

وأشدو بحبك في كل نادي

عشقت لأجلك كل جميل

وهمت لأجلك في كل وادي


مفهوم حب الوطن

حبّ الوطن هو شعور فطريّ يوضع كبذرة في قلب الإنسان منذ ولادته، وينمو ويكبر على مدى الأيّام، والمواقف، والأحداث، فهو شعور تتنفّسه حينما تتنفّس رئتاك نسمات هذا الوطن الدافئ وانت تلهو وتركض مع صحبك على روابيه، وهو ما يدغدغ قلبك من مشاعر فخر واعتزاز وأنت تردّد بهمّة النشيد الوطنيّ وعيناك تتطلّعان نحو العلم الذي يرفرف في سمائه الشمّاء، وهو اجتماع الأهل، والصحب والأحبّة على الموائد، وجلسات السمر المليئة بالدفء والسكينة، وهو هتافات الجيش وفرحة أبناء شعبك في الشوارع في المناسبات الوطنيّة، هو باختصار الانتماء الذي يُولد في قلبك ويستقرّ في روحك فلا تجد له بديلاً مهما عبرت من قارات واستقريت في بلدان.


مظاهر حبّ الوطن

لحبّ الوطن الصادق والنابع من القلب مظاهر عديدة لا يعرفها إلّا كل مخلص له، غيور عليه، مستعد لفدائه بروحه، فحبّه يكون بالولاء له بالشعور قبل القول والفعل، ويقتضي ذلك الإخلاص له، والاعتراف بفضله سرّاً وجهراً، كما يدفعنا حبّه للابتعاد عن كل ما قد يُلحق به المضرّة وعدم الاستقرار من شائعات وفتن، بالإضافة إلى استعدادنا للذود عنه بأرواحنا وحمايته من كلّ ما قد يحيط به من أخطار، وحبّ الوطن يعني حبّه بكل ما فيه: حب أرضه، ومائه، وسمائه، وقيادته، وشعبه والسعي بإيجابية نحوها، فحبّنا للأرض يقتضي المحافظة على صحّتها ونظافتها، والسعي لتشجيرها والمحافظة على الغطاء النباتيّ فيها، وحبّنا لمائه يقتضي المحافظة عليه من النفاد بترشيده، وحفظه من التلوّث، وحبّنا لقيادته يقتضي الولاء لها للمحافظة على هذا الوطن آمناً مستقراً، فيما ينعكس حبّ أفراده بالهبوب لمساعدة المحتاج، ومساندة الفقير، والسعي في سبل التكاتف الاجتماعيّ كافّة، ولا يعني حبّ الوطن ذلك فحسب بل يتعدّاه إلى اعتبار الفرد نفسه لبنة أساسية لا يقوم وطنه إلّا بها ممّا يدفعه دوماً لتطوير ذاته، وتجديد معرفته، وزيادة علمه حيث يؤدّي هذا كلّه لنماء الوطن والارتقاء باسمه عالياً بين بقيّة الأوطان.


الخاتمة

حبّ الوطن هبة وضعها الله في الإنسان ليشعر بوجوده وكينونته، فبدونه يشعر بالفراغ والضياع، وعلى الفرد أن يشكر الله على نعمته هذه بالولاء لوطنه، والحفاظ عليه، والاتعاظ بما تعانيه بعض الدول من تفكّك، وخراب جاءت نتيجة للابتعاد عن بوصلة حب الوطن، والانجرار نحو بعض ما يحرّض ضدّه، وضد وحدته ونمائه وازدهاره.