القراءة

لم يجيء ذلك الأمر الربّاني في سورة العلق بالقراءة في الآية القرآنية القائلة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) عبثاً، وإنّما جاء لغاية ربّانية يُكشف عن غايتها كلّما مرّت الأيّام والسنون، وتبحّر الإنسان في العلم، وأدرك أن لا أداة يجدّف بها في هذا البحر الواسع إلّا القراءة التي أمر الله بها وبتعلّمها منذ فجر الخلق.


فوائد القراءة

للقراءة بنوعيها: الجهرية، والصامتة فوائد جمّة تتمثل في كونهما أداة لاكتساب المعرفة والمهارات أولاً، فصحيح أنّ بالمعلم وبما يقدّمه من علم تُبنى الدول، وترقى المجتمعات ولكن كم من عالم، وأديب، وشاعر كان معلّم نفسه! محققاً لما حقّقه من نجاح نتيجة لقراءة كتب العلوم والأدب المتنوّعة وهو جليس بيته!، ومن هنا نُدرك انّ القراءة أساس ما يريد الفرد اكتسابه من علوم على تنوّعها، فالراغب في التوسّع في أمور الدين ما عليه إلّا التوجّه إلى تلك النوعية من الكتب واغتراف ما يشاء منها، وكذلك الراغب في الاستزادة في علوم الفلك، والطبّ، والمهارات الشخصيّة، والرياضيات وغيرها من العلوم.


وفي القراءة يلتقي الإنسان بمن يريد ويهوى من شخصيات تاريخية، وخياليّة غابرة لم يُتِح له الزمن لقاءها، فيقرأ عنها ليُبحر في تفاصيل شخصيّاتها، ويلاحظ سلوكاتها وردود أفعالها بدقّة كأنّه يشاهدها أمامه، وفي القراءة يستفيد الإنسان من تجارب الآخرين فيتجنّب عثراتهم وزلّاتهم، ويكتسب منهم ما يطوّر به نفسه، وروحه، وتفكيره، وهي بالإضافة إلى ذلك وسيلة لتقوية الذاكرة، والترويح عن النفس لا سيمّا عند قراءة بعض الطرائف والفكاهة المنتشرة هنا وهناك.


أهميّة القراءة

في القراءة يجد الإنسان نفسه، ويُبحر في ذاته وينجو بها من التوهان، فيحقّق أعلى مراتب العلم والإفادة، ويتمكّن من نفع نفسه بكسب رزقه من خلال ما قد يتعلّمه من مهارات، ويشغل وقت فراغه بما يفيده ولا يضرّه من أمور، بالإضافة إلى أنّه يكتسب الأجر والثواب بقراءة كتاب الله والتفقّه بأمور دينه، أمّا بالنسبة للمجتمعات فتبقى القراءة باب التنوير الأول الذي ترتقي فيه وتعلو بين الأمم، فلا ارتقاء بلا عمل وتجريب، ولا تجريب وعمل بلا علم نظريّ، ولا علم نظريّ بلا بحث، ولا بحث بلا قراءة واعية وفاهمة، وتؤثّر القراءة بشكل مباشر في رقيّ المجتمعات أيضاً بما تكسبه للأفراد من هدوء في الطباع، ودماثة في الخُلق، واختصار للآفات الاجتماعية التي قد يقع بها الأفراد نتيجة لاستسلامه لأوقات الفراغ القاتلة.


الخاتمة

لا بدّ لنا من القراءة في كل المجالات لنكتسب من الكتب علماً وخبرة يؤهلاننا لصقل انفسنا بما يتناسب مع متطلبات هذا العصر التكنولوجي المتسارع، ولنكون واجهة مشرّفة تعكس أوطاننا برقيّ وحضارة، وعلم، فليس أجمل من أن يكون الإنسان مثقفاً، واعياً، ومحيطاً بكلّ العلوم، وهو ما لا يتحقّق إلّا بالتعوّد على مهارة القراءة.