التعاون

قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (سورة المائدة: الآية 2) لم تنزل هذه الآية الكريمة -كما غيرها من الآيات- إلأّ لتبيان شيء ما، وإقرار خلق أو النهي عنه، وفي هذه الآية الكريمة يلمح القارئ بوضوح حكم التعاون وفيما يجب أن يكون، وفيما لا يجب، فالمسلم المتدبّر في آيات الله يدرك أنّ التعاون والتكاتف مع إخوانه المسلمين يجب أن يكون في نطاق الخير، فيما لا يُعتبر تعاوناً إن تحوّل مساره إلى طُرق الشرّ، وإلحاق الأذى بإخوانه البشر، أو موجودات هذا الكون.


فوائد التعاون

لم يحث الله المسلمين على التعاون على البرّ والتقوى إلّا لمنفعة لهم في أمور دينهم ودنياهم، ففي التعاون على البرّ رضا للناس، وفي التعاون على التقوى رضا لله عزّ وجلّ، فإن جمَع الإنسان بين هذين النوعين من التعاون وجد طريق السعادة في الدنيا والآخرة، وماذا يريد الإنسان بعد!، وفي التعاون يجد الإنسان إنسانيّته، وتسمو روحه، ويشعر بأهمّية وجوده في هذا الكون عندما يمدّ يد العون للمحتاج، ويساعد المكروب، ويسعد الآخرين، كما أنّ في هذا الخلق إشغالاً له في وقت فراغه الذي يُعتبر باباً من أبواب الشيطان والوقوع في المعصية، والإنسان المتعاون إنسان راقٍ يحبّه الآخرون، فيسعون للوقوف معه في وقت شدّته وحاجته إليهم، كما أنّه قدوة بحسن خلقه لمن حوله، وهو الأمر الذي ينعكس إيجاباً على المجتمع بشكل عام، فبتعاون الأفراد فيما بينهم تعمّ الألفة، والصلاح، وتُسدُّ الثغرات الموجودة فيه عندما يرى الناظر كلاً من أفراده يقوم على مساعدة الآخر، ونصرته، وتقديم ما يلزمه من أمور.


مظاهر التعاون

للتعاون مظاهر كثيرة يجب أن تنحصر كلّها في سبل الخير، وإلّا فلا يصحُّ أن يُسمى هذا النوع منه تعاوناً، فتعاون الإنسان مع أخيه الإنسان يجب أن يكون بما ينفعه وينفع مجتمعه، فهذا طالب يعاون زميله في الدراسة لاجتياز سنته الدراسيّة، وهذا عامل يساعد آخر في إكسابه مهارة ما قد تعينه وتيسّر له أمر الحصول على رزقه، وهذا عالم يعاون زميله لفهم نظرية معينة وتفسيرها، وتلك معلّمة تمهّد الطريق لتلميذاتها حتى يتجاوزن الصعوبات ويتفوّقن في دروسهن، وهذا زوج يتعاون مع زوجته في أمور المنزل لإدراكه بأنّ ذلك يمكن ان يكون باباً من أبواب برّه في أهله ودخوله الجنّة، أمّا أولئك فثلّة من الشباب الفاعل الذي يسخّر طاقاته في شتّى المبادرات المجتمعيّة كزراعة الحدائق، وتنظيف الشوارع، وترميم بعض البيوت، ومساعدة الفقير للنماء بمجتمعه، والوصول إلى الصورة المنشودة التي رسمتها لهذا المجتمع عقولهم، وهذه أمثلة قليلة على صور كثيرة للتعاون لا يمكن عدّها أو حصرها.


الخاتمة

التعاون هو الخُلق الحق، والنهج الإنسانيّ القويم الذي يجب أن ينتهجه الأفراد في حياتهم حتى يصلوا به إلى سعادتهم الدنيويّة، ورضاهم عن انفسهم، ورضا الله عنهم، فيما يجب على كلّ فرد أن يدرك قبل أن يتعاون مع غيره أن يكون هذا التعاون نافعاً وفاعلاً قبل أن يقدِم عليه، فما أجمل أن يكون الإنسان مؤثّراً وإيجابياً في وطن يحبّه ويسعى دوماً لخيره.