المقدمة
لقد دعانا الدين الإسلامي السمح إلى التعايش مع الآخرين في ظل التسامح، والسلام طالما لم يتجاوز هؤلاء حدود الله وحرماته معنا، فالدين الإسلامي هو دين تقبّل وتعايش لا دين تعصّب، وتزمّت، وانغلاق على النفس، ومن هنا فإنّي أعتز بصداقتي التي دامت مع صديقي مينا عشرة أعوام، فمينا إنسان خلوق ووفي لم يبدر منه طوال مدة صداقتنا ما يؤذيني، وأنا كذلك.
الدين لله والوطن للجميع
لا أذكر أنه طوال مدة صداقتي بصديقي مينا حدث بيننا مشادة لفظية أو غيرها بخصوص دين كل منّا، فنحن نعلم أن الدين لله تعالى، وأنّ الله تعالى هو من يملك حق حساب البشر لا غيره، ومن هنا فقد حيّدنا أنفسنا عن الحديث في هذه الأمور، وعشنا وحدة الدم، والتلاحم الاجتماعي والوطني، وحرصنا على أن نكون لبناتٍ متينة في سدّ الوطن المنيع، فالدين كما ذكرت سابقاً لله وحده، أما الوطن فللجميع.
على المسلمين والمسيحيين أن يكونوا سداً منيعاً متلاحماً يرد عن الوطن فتنه وبلاياه، وأن يشعروا بأنهم إخوة في بوتقة الوطن مستعدون للتضحية بدمائهم في سبيل نجاته وعليائه، فعندما تحل البلايا -دفعها الله- على الوطن لا يفكّر كل مخلص غيور في توجهه وديانته، بل يفكر كيف ينتفض، ويقدّم روحه فداء لحماية هذا البلد الأمين الذي لطالما احتضنه وعائلته كما تحتضن الأم أبناءها، وحافظ عليه من حياة التشرّد والضياع.
الوطن يستحق
على أرض هذا الوطن خلقنا، وفيه ترعرعنا مسلمين ومسيحيين نأكل من خيراته، ونشرب من مائه، ونتنفس عليل هوائه، فأي فكر ذلك الذي يحتّم علينا ربط الديانة بحق الوطن! وكل الديانات تدعو إلى حب الأوطان وفدائها بالأرواح، كيف نفكّر بهذه الطريقة الأنانية والوطن لم يبخل علينا يوماً بأفضاله وعطاياه! في الوطن تربينا، وفيه صلينا وتعبّدنا في مساجده وكنائسه المنتشرة هنا وهناك بسلام وأمان، وإن من تمام العقل السعي إلى الوحدة الوطنية بين كل مسلم ومسيحي للمحافظة على السلام والأمن اللذين لا حياة للإنسان بدونهما، لذا إن من أجمل ما يمكن أن يقدمه المواطنون لوطنهم ضرب أعظم صور التآخي، والتعايش، والانصهار لتحقيق وحدة وطنية تقوي من وطننا، وتبعده عن الفتن التي يسعى أصحابها لهدم عماد الأوطان بها.
ما أجمل أن يعيش أبناء الوطن الواحد متآخين متعاضدين، لا يحب أحدهم للآخر الشر، ولا يرضى له سوى الخير على اختلاف ديانته، فالدين الإسلامي والدين المسيحي هما أصل التسامح والانفتاح، وقبول الآخر دون تطرف.
الخاتمة
علينا جميعاً أن نغضّ طرفنا عن أي اختلافات قد تقع بيننا كأفراد، لأنّ الاختلاف هو ما يميز البشر في المجتمعات، وإنّ ما علينا فقط هو التركيز على طريقة نبني بها المجتمع، ونكون بها أبناءه البارين الصالحين المستعدين للتضحية بأرواحهم ودماهم فداء لذرات ترابه الطاهرة دونما النظر إلى ديانة أو توجه.