المقدمة
طرقت على زجاج النافذة بأصابعها الصغيرة فظنناها بعض حبات المطر المتساقطة في الخارج في البداية، ولما نظرنا فإذا بها فتاة بعمر الزهور، لم تكمل السابعة من عمرها تبيع المناديل، تعاطفنا معها جميعاً، فمدّت أمّي يدها في حقيبتها وأخرجت منها مبلغاً من المال ودسّته في يدها التي كادت تتجمد من فرط البرودة، أمّا أبي فلم ينبس ببنت شفة، لكن علامات عدم الرضا بدت على محيّاه، وكأنّ الموقف برمّته لم يعجبه، أمّا أنا ففهمتُ مما قد استاء، فأبي رجل عقلاني يرى فيما حدث عمالة أطفال تستنزف طفولتهم، وتشجّعهم على طريق وعر سيؤدي بهم إلى الهلاك.
عمالة الأطفال
إنّ موضوع عمالة الأطفال موضوع شائك ومحرّم دولياً في أغلب دول العالم، وهو يعني استغلال الأطفال وتوظيفهم في أعمال مخصصة للكبار، مما يؤثر على رفاهيتهم، وصحتهم النفسية، والجسدية، ويستنزف وقت طفولتهم، فيمنعهم من اللهو مع أقرانهم كما تقتضي الفطرة والطبيعة، ومن الذهاب إلى المدرسة لشقّ طريق مستقبلهم القويم، ومن هنا نصّت الدساتير والقوانين المتعلقة بالطفل والإنسانية على منع استغلال هؤلاء بتشغيلهم بما يضرّهم قبل بلوغ سن معينة، نظراً للتبعات السلبية عليهم من كل النواحي.
أشكال عمالة الأطفال
تتنوّع عمالة الأطفال وتكثُر أشكالها، فنرى في أيامنا هذه انتشار ظاهرة أطفال الشوارع بأشكالها المختلفة، إذ يلجأ بعض ذوي النفوذ لاستغلال وجود بعض الأطفال الأيتام الذين ألقت بهم ظروف الحياة في الشارع بلا زاد ولا مأوى إلى استغلالهم عبر مقايضتهم على توفير المأوى والمأكل والمشرب مقابل عملهم في الشارع لساعات طويلة في التسوّل أو في بيع بعض البضائع، وهو ما بات منتشراً بكثرة في أيامنا هذه، ومن أشكال عمالة الأطفال أيضاً تشغيلهم في بعض الأعمال الخطرة التي لا تتناسب مع قدراتهم الفسيولوجية والنفسية مثل اشتغالهم في المحاجر، والحَفر، وصناعة السجاد والزراعة وغيرها، بالإضافة إلى عملهم في المنازل لساعات طويلة جداً ترهق طفولتهم، وتضيع عليهم أجمل أيام حياتهم.
تبعات عمالة الأطفال
لعمالة الأطفال تبعات تلمس الطفل المُستغل نفسه، والمجتمع ككل، أمّا عن الطفل العامل فينمو طفلاً مكسوراً متضعضعاً لم يعش من طفولته شيئاً، والطفولة كما نعلم هي عتبة البلوغ وتشكيل الشخصية السوية، ومخطئ من يظن أن لأحد أن ينسى طفولته ويتجاوز ما فيها من أسى وجراح، أما بالنسبة للمجتمع فعمالة الأطفال تصنع من هؤلاء الأطفال بالغين حاقدين على المجتمع، وما فيه، وتخلق من بعضهم أفراداً غير صالحين مستعدين للإضرار بأنفسهم وبمن حولهم كنوع من أنواع الانتقام والرد على ما تعرضوا له من استغلال دون رادع.
الخاتمة
عمالة الأطفال ظاهرة سلبية، وآفة على الجميع مكافحتها بدءاً من المنظمات العالمية والدول، إلى الأفراد أنفسهم، فمن حق الطفل عيش حياة سعيدة وطفولة هانئة.