المقدمة

إنها بداية العطلة الصيفية التي لطالما انتظرناها بعد أن أبلينا في امتحاناتنا بلاء حسناً، فوعدنا أبي بالتوجه في رحلة جميلة إلى بيت جدي في الريف، وكان من الجميل أن نعلم أننا سنقضي فترة في بيت جدي، والأكثر جمالاً أننا سنتوجّه إليهم هذه المرة بركوب القطار لا السيارة كما جرت العادة، لتكون هذه هي المرة الأولى التي أستقلّ فيها أنا وإخوتي القطار، يا لحماسنا لذلك!، حزمنا حقائبنا ونحن ندندن ونقول:


قطارنا السريع ذُو المَنْظَرِ البَدِيعْ  طَرِيقُهُ حَدِيدْ مُثَبَّتٌ مَدِيدْ  لَهُ زَئِيرٌ عَالِ يَسِيرُ فِي اعْتِدَالِ  يَسِيرُ بِالعِبَادِ لأبعَدِ البِلاَدِ



في المحطة

وصلنا إلى محطة القطارات التي ستنطلق منها وكلنا حماس لما سنراه ونختبره فيها، وقد كان المنظر شيقاً جداً فأنا لم أر هذا العدد من الناس محصورين في مكان واحد من قبل، وقد كان منهم من يودّع أهله وأحباءه ومنهم من يستقبلهم، ومنهم من توجه إلى قطار التذاكر ليشتري تذاكره، وقد توجّه أبي مع هؤلاء ليشتري لنا تذاكر سفرنا هذا، فيما ظللنا أنا وإخوتي مع أمي نلاحظ تفاصيل المكان باندهاش، فننظر إلى الباعة المتجولين في المحطة، وإلى الأطفال يلعبون هنا وهناك، ونسمع أصوات القطارات القادمة والمغادرة دون أن نراها بعد.


وصف القطار

أشار لنا أبي من بعيد بالاقتراب، فرحنا نركض باتجاهه وانتظرنا دقائق قليلة كان يملؤها الحماس حتى وصل القطار، لقد دوّى صوت صافرته فملأ المحطة، ورجعنا للوراء، فيما أقبل هو من بعيد، يا لروعته! لقد كان طويلا جداً فهو عبارة عن عدة مقطورات، ولونه الأسود والفضي يزيدانه جمالاً، وفيه يجلس الناس بمحاذاة النوافذ بانتظار لحظة توقّفه، وما إن توقف القطار حتى بدأوا بالنزول، فيما علا صوت من المقصورة في المحطة بضرورة توجّه ركاب الرحلة القادمة التي نحن منها نحو القطار لحجز أمكنهم، فتوجهنا إليه ودخلنا باحثين عن أماكننا خلال المقصورات الجميلة، لقد كانت المقاعد تصطف فيها بشكل متقابل، فيما يتجول خلال القطار بعض الباعة الذين يبعيون القهة والصحف وغيرها.


صعدنا إلى القطار وجلسنا في مقعدين متقابلين كعائلة واحدة، فيما طلبتُ من أبي أن أجلس إلى جانب النافذة لأستمتع بالمناظر الطبيعية من خلالها، بدأت عجلات القطار الفولاذية بالدوران والإسراع رويداً رويداً، وصوت صفير القطار قد علا من جديد ينبئ عن رحلة جديدة، أخي الصغير غطّ في نوم عميق منذ بداية الرحلة، أمّا أبي فأمسك بصحيفة وأخذ يقرأ فيها، وأمي الحنونة توزّع علينا الشطائر اللذيذة، وأختي ليلى تلعب في دميتها، فيما سرحت بنظري بجمال المناظر الطبيعية التي تجلّت من النافذة، وأنا أستمتع بصوت عجلات القطار، وكلي إعجاب بهذه الوسيلة السريعة والمريحة للسفر، ثمّ قررت أن آخذ جولة في مقطورات هذا القطار، فتنقلتُ فيها واحدة تلو الأخرى، والتي كانت معظمها للركاب، فيما خصصت واحدة كمطعم صغير، وأخرى لكابتن القطار ومساعديه، نظرت إلى الساعة وإذا بنا قد شارفنا على الوصول فيما لم أشعر أنا بالوقت من شدة استمتاعي بالرحلة، فعدت راكضاً إلى مقصورتنا.


الخاتمة

انطلقت صافرة القطار تنبئ بنهاية الرحلة، إلى أن توقف القطار وهمّ الناس بالنزول، أمّا أنا ففي داخلي شعوران متعاكسان، أحدهما فرح للقاء جدي وجدتي الحبيبين، والآخر حزن لانتهاء هذه الرحلة الجميلة.