العصر الجاهلي

أُطلق مسمّى العصر الجاهلي على ذلك العصر الذي امتدّ قبل الإسلام بمئتي عام أو مئة وخمسين عاماً، فهو العصر الذي سبق العصر الإسلاميّ مباشرة، وقد عُرف بهذا الاسم لجهل الناس به في أمور عقيدة سيدنا إبراهيم وانقيادهم نحو الوثنيّة، والعصبيّة، والحمية الجاهلية، على عكس ما قد يفهمه معظم الناس من أنّ هذا العصر سُمّي بالعصر الجاهلي نظراً لجهل الناس فيه بالعلوم والأدب وغيرهما.


المظاهر الحياتيّة والأدبيّة والدينيّة في العصر الجاهلي

يتميّز كل عصر من العصور بمجموعة من السّمات الإيجابيّة والسلبية في جوانب حياته، وقد كان من سمات الحياة الدينيّة في العصر الجاهلي عبادة الناس للأوثان، فقد كانوا يخلقون لأنفسهم أصناماً بأسماء مختلفة كاللات، والعزّة وغيرهما ويعبدونها ويقدسونها؛ ظنّاً منهم بأنّها تملك نفعهم وضرّهم، وتتحكّم بمصائرهم وأرزاقهم، فيما اتّجه البعض لعبادة موجودات هذا الكون من شمس، وقمر، وكواكب، ونجوم، ونار وغيرها، في الوقت الذي لم يؤمن فيه بعض منهم بهذه الخرافات واتّخذوا من ملّة إبراهيم عليه السلام عقيدة.


اتّسم المجتمع الجاهلي بالعديد من السمات السلبية والإيجابية على الصعيد الاجتماعي، فقد كان من السّمات الإيجابية التي جاء الإسلام ليكمّلها -كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق)- سمة الكرم التي عُرفوا بها، فقد كان الجاهليّون يكرمون الضيف أيّما كرم، ويشعلون ناراً يهتدي بها التائه في طريقه ليتوجّه إليهم، بالإضافة إلى ما عرف عنهم من شهامة، وإغاثة للملهوف، فيما عُرفوا أيضاً ببعض العادات السيئة كالعصبيّة الجاهليّة، والثأر، وشرب الخمر، والقمار، واستباحة النساء وعدم احترامهن، وهو ما جاء الإسلام للنّهي عنه واستبداله بكل حسن.


أمّا عن مظاهر الحياة الثقافيّة في ذلك العصر فكثيرة، والتي كانت قد نتجت بفعل نشاطهم التجاري واختلاطهم بأهل المناطق المجاورة من يونان ورومان وفرس وغيرهم، وأخذهم لشتّى العلوم والمعارف عنهم ممّا نتج عنه تطوّراًً ملحوظاً في جوانب الحياة الثقافية والفكرية، والجدير بالذكر أنّ مكة كانت المدينة الأكثر تطوراً بين نظيراتها بسبب مرور طرق التجارة فيها، وقد كان هناك مجموعة كبيرة ممّن يعرفون القراءة والكتابة ولا ننسى الخطّ الكوفي الذي نشأ في ذلك العصر، فيما بلغت فنون النثر، والخطابة، والشعر مبلغها في ذلك العصر فظهر الأدباء والشعراء بشكل جليّ، وتنافسوا فيما بينهم في نظم أجمل القصائد والخُطب فأبدعوا فيما نظموا دون أن تكون مراجعهم في ذلك العلوم، أو الفلسفة أو التدريب في هذه الفنون، بل اعتمادهم على السليقة والفطرة وما ورثوه من فصاحة لسان في القول، وممّا يدلّل على هذه البراعة هي آثارهم الأدبية العظيمة التي بقيت حتى يومنا هذا، وما فيها من مظاهر تعجز عن مجاراتها آداب اليوم وقصائده.


الخاتمة

لكلّ عصر ما يميّزه من مظاهر، ومظاهر العصر الجاهلي كثيرة جاء الإسلام ليجبَّ ما لا يصلح منها، ويُبقي ويتمّم على ما هو حسن وصالح، فالدين الإسلامي لم يأتِ يوماً ليكون ضدّاً لما فيه نفع للمجتمع والأفراد، بل جاء دوماً محافظاً عليه مضيفاً لِما فيه من خير.