الوالدان

تصف الكلمات في هذه اللغة الواسعة كلّ شيء خلقه الخالق في كونه الواسع بسلاسة تامّة، ولكنها تقف عاجزة أمام عظمة الوالدين لا حول لها ولا قوّة، فالوالدان هما أعظم ما في الوجود، وهما أكبر نعم الخالق الودود، وهما الّلذين لا يستحقّان منّا إلأّ البرّ، والحبّ، والورود، فهما مَن قال فيها الله تعالى في كتابة الحكيم: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، تكريماً وتعظيماً للوالد من المولود.


مفهوم برّ الوالدين

يعني برّ الوالدين الشعور بالامتنان لهما أولاً، والنيّة الخالصة في طاعتهما مهما طلبا إن لم يخالفا في ما طلباه أوامر الخالق عزّ وجلّ ثانياً، يتبع ذلك الكثير من السلوكات والأخلاق التي يجب أن نتخلّق بها ابتغاء تحقيق هذه الغاية، فبرّ الوالدين هو عدم رفع صوتك فوق صوتيهما هزلاً أو جدّاً، وعدم قول ما يغضبهما ولو كان مجرّد قول (أفٍّ) لأحدهما، كما أنّه يقتضي تلبية حاجاتهما النفسيّة والماديّة لا سيما عند كبرهما، فالواجب أن تحملهما على أكفّ الهناء والراحة في كبرهما كما حملاك على أكفّ الرعاية في صغرك، ويكون ذلك بالجلوس معهما، وبإبعادهما عن أجواء الوحدة والملل، والشعور بالانعزال عن هذا العالم الذي بات ضاجّاً بالتكنولوجيا المعقّدة ووسائل التواصل التي قد تشكّل بالنسبة لهم ما لا يحبّون، وعدم التذمّر مهما تطلّب أمر شرح أمر ما لهما، كما أنّ من الواجب تلبية حاجاتهم الماديّة من مأكل ومشرب قدر استطاعة الأبناء، والترويح عنهما باصطحابهما إلى ما يحبونه من أماكن، وبيوت أقارب قدر الإمكان.


لا ينقطع برّ أحد الوالدين أو كليهما بموته، ولا يتوقّف بغيابه عن الحياة، فلبرّ الوالدين المتوفّيين صور كثيرة يُذكر منها الصدقة الجارية عنهما، والتي تُنفق في وجوه الخير، بالإضافة إلى الدعاء لهما في كلّ حين بالمغفرة والرحمة، كما أنّ برّ أصدقائهما الذين ما زالوا على قيد الحياة هي إحدى هذه الصور، فمن رحمة الله تعالى بالأبناء أنّ أبواب البرّ لا تغلق مع موت والديهم بل تبقى مفتوحة لكلّ من يريد البرّ.


أثر برّ الوالدين

لكلّ عمل صالح في هذه الحياة ثمرة يجزي الله بها الإنسان في الدنيا والآخرة، وأحد أزكى هذا الثمر ثمر برّ الوالدين، فالبار بوالديه شخص ينعم برضا الله عزّ وجلّ لا محال، فتحلّ عليه بفعل ذلك الخيرات في الدنيا قبل الآخرة، فتراه مباركاً له في عمره وأولاده، موسّعاً عليه في رزقه وبيته، مُناراً وجهه بنور الإيمان، مُثاباً يوم القيامة بأحسن ثواب؛ ذلك أنّ برّ الوالدين من أعظم الأمور وأوجبها لرضا الله، أمّا ذلك العاق بهما فينال جزاءه في الدنيا قبل الآخرة، فلا زيادة في ماله مهما كثُر، ولا سعة في بيته مهما كبُر، ولا بركة في عمره، ولا ولده ناهيك عمّا سيناله من سخط، وعذاب يوم القيامة جزاء لما فعل.


الخاتمة

برّ الوالدين واجب يتقدّم على كلّ واجب، علينا أن نحرص عليه ونؤدّيه في كلّ وقت وحين لنيل رضا الله تعالى، وكسب سعادة الدّارين.