المقدمة

وهب الله الإنسان روحاً، وهو يعلم أنّه سيحافظ عليها؛ لأنها أغلى ما يملك، فترى أغلب الناس متمسكة بحياتها تمسكاً شديداً، إلّا ثلة منهم يقدمونها رخيصة فداء الله والوطن، فهم يعرفون أن هذه الحياة زائلة، وأنّ أرواحهم هذه ما هي إلّا إعمار مؤقتة ستنتهي يوماً، لذا قرروا بيعها رخيصة فداء للوطن، والثمن غال وهو قرب الرحمن، والخلود في جنّة عرضها السموات والأرض.


تضحية المجاهدين في سبيل الوطن

لكل شاب أحلامه الخاصة، وآماله التي يسعى جاهداً لتحقيقها، أمّا المجاهدون فغايتهم واحدة جميعاً هي الذود عن ثرى الوطن من دنس الأعداء، ولو كلّفهم الأمر الأرواح ثمناً، يعيش الشباب أحلامهم على اختلافها بانتظار المستقبل، فهذا يسعى لزواج، وذاك لتعليم عال، والآخر يركض خلف مستقبل يبنيه في الخارج، أمّا أنت أيها المجاهد، فقد حلمت منذ صغرك باللحاق بموكب الشهداء الأبرار ممن سبقوك دفاعاً عن عرضهم وشرفهم، وها هي الصور التي علقتها في غرفتك جدارية شاهدة على توقك لأن تنال ما نالوه من شرف وفخار، عيناك الباسمتان عند شهادتك تخبران العالم أجمع بما تراه من مقام عال وحسن ثواب، وثغرك الباسم وقتها يوصي أمك المكلومة الفخورة بالنصر حتى الثبات، فابنها قد حقق حلم طفولةٍ كانت بدايته بندقية عيدٍ اشتراها من البقالة القريبة، وأخذ يلاحق بها شبح الأعداء، وكبر الفتى وكبر معه الحلم رويداً رويداً، وكبر الهدف في صدره حتى تسحّب من سريره في ليلة باردة شديدة السواد منشداً غايته.


صلىّ الفتى لله ركعتين دعا فيهما أن يكون من اللاحقين الفائزين، النائلين الشهادة لا أقل، وقبل جبين أمه العالي قبلة أخيرة كادت تكويه، وتسلل إلى معسكره الذي التحق به منذ سنوات دون أن يخبر أحداً خوفاً على الأفئدة الرقيقة من الوجع، وصل المعسكر وتقلّد بندقيته وانقضّ على صفوف الأعداء أسداً مغواراً ما تردد هنيهة، فأسقط منهم ما أسقط، وزرع في قلوبهم ما زرع من الخوف والعار، وزُفّ شهيداً كما حلُم منذ الصغر ولحق بشيوخه السابقين، في ذات اللحظة قفز قلب الأم من صدرها مخلوعاً، فاستيقظت من نومها ورددت: يا الله! لعله خير، وتوجهت إلى غرفة ابنها المغوار فلم تجده، حاولت الاتصال به مراراً، لكن لا مجيب، قضت ليلة طويلة لم تعرف بها عينها الغمض، وقبل شروق الشمس ضجت ساحة المنزل بأفواج المهنئين المبشرين: لقد ارتقى ابنك شهيداً فداء للوطن، بعد أن أسقط سبعة من جنود العدو.


الخاتمة

شهقت الأم المكلومة شهقة هي شهقة الأمومة الفطرية، ونزلت من عينها دمعة لو أنها لامست ثرى الأرض لحرقتها لشدة حرّتها، فمسحتها بفخار وتبعتها بزغروتة ملأت أرجاء الحي، وملأت المكان تكبيراً وحمداً، وهناك على سفح الجبل البعيد غاصب أرضٍ يراقب ذلك كلّه بغيظ، ويلعن تلك الساعة التي جاءت بها هذه الأمهات بشباب لا يعرفون الخوف ولا الهوان إلى الدنيا.



للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير في حب الوطن، موضوع تعبير عن واجبنا نحو الوطن