المقدمة

صدق الشاعر حين قال:

العلم يبني بيوتاً لا عماد لها *** والجهل يهدم بيت العزّ والأدب


لا يقتصر دور العلم على اكتساب المعلومات، والاحتفاظ بها نظرية كما هي في دماغ الإنسان، إنّما خلق الله الإنسان بطريقة تضمن له توظيف ما تعلمه في خدمة المجتمع والبشرية، وتضمن له التفاعل بشكل نافع مع ما هو موجود حوله، وتسخير ما يلزمه منها، والإضافة إليه، وبتتبع الحضارات يظهر جلياً كيف كان العلم أداة فعالة في بنائها، فالإنسان مخلوق قابل للتكيّيف وتطوير ما حوله، واستغلاله لمصلحته وإفادته.


أثر العلم في بناء الحضارات

تقوم الحضارات على أعمدة عدّة تدعمها أرضية واحدة هي العلم، فالحضارة تعني الإنتاج الفكري والمادي للإنسان، وتطويره للمجالات الحياتية المختلفة، وهي الرقي والازدهار في جميع النطاقات، ومما لا شك فيه أنّ العلم هو أساس الازدهار الاقتصاي فبالعلم يتعلم الإنسان كيف يحصّل ما يناسبه من فرص، ويستغلها لصالحه، وبالعلم يضع ما يتناسب مع إمكاناته من خطط، فيبدع في سوق العمل؛ مما يعني تدوير عجلة الاقتصاد ويرفع مستواه المعيشي كفرد، والعلم أساس التطوّر الطبي وازدهار القطاع الصحي، فبالعلم استطاع الإنسان التغلّب على العديد من الأمراض المعدية والسارية التي فتكت بالكثير من بني البشر، وأقعدت الكثير منهم عن العمل والبناء، وهو الأمر الذي يهدم مفهوم الحضارة ويعاكسه، فبوجود اللقاحات المناسبة، والأدوية، وعلم الأجنة والخلية أصبح الإنسان قادراً على مواجهة هذه الأمراض، بل وتجنّب بعضها قبل حدوثه، مما يعني تسخير إمكانات الدول المادية والبشرية في تطوير قطاعات أخرى بدلاً من الانشغال بمكافحة هذه الأمراض.


وفي قطاع الاتصالات والتكنولوجيا فللعلم اليد العليا في نقل الثقافات وتبادلها عبر وسائل الاتصال الحديثة، وتلقي العلوم، وتبادل الأفكار أيضاً، والحفاظ على التراث الإنساني، كما لا ننسى دوره في علم الإنشاءات والعمارة الذي يتضّح بما نراه حولنا من مبان عظيمة في تصميمها، وناطحات سحاب صمم بعضها ليكون مضاداً للكوارث الطبيعية مثل الزلازل وغيرها، كما لا يستطيع أحد إنكار دور العلم والمعارف الحديثة في القطاع الزراعي، والذي يتجلى في التخلص من الكثير من الآفات الزراعية التي كانت تهلك نسبة كبيرة من المزروعات، بالإضافة إلى استحداث أصناف جديدة من النباتات والثمار، وتسهيل عمليات الزراعة باختراع آلات حديثة، وأساليب ري جديدة تهدف إلى توفير المياه، بالإضافة إلى دوره أيضاً في عملية تنقية المياه وتحليتها، والاستفادة من مصادر المياه غير الصالحة للشرب، والبحث عن مصادر طاقة بديلة تضمن وجودها على الكوكب.


الخاتمة

بالعلم تبنى الحضارات، وبه نحافظ عليها، بشرط أن تتعدى المعلومات التي يتلقاها الإنسان ذلك الحيز النظري الضيق في دماغه، وتنطلق إلى الحيز العملي التجريبي لنفع البشرية، بالإضافة إلى تدوين هذا العلم ونقله من شخص إلى آخر ليستمر ويبقى شاهداً على ما يشيده الإنسان من حضارات.