الموضوع الأول

المقدمة

للذكريات عمر طويل لا ينتهي، فما إن تستنشق رائحة ما، أو ترى مشهداً معيناً حتى تتداعى في رأسك بعض المشاهد والصور التي مرّت عليها السنين، أنا هنا الآن أمرّ من جانب حقل مليء بأشجار الزيتون المحمّلة بثمارها المباركة، فتثير في روحي رائحةُ الأرض الحنين إلى أيام مضت كنا نتسابق بها أنا وأولاد عمومتي إلى أرض جدي وقت قطاف الزيتون.


كنّا نغيب عن حقل جدي المليء بشجر الزيتون من العام إلى العام، فلا نلقاه إلا موعد قطاف شجر الزيتون، لقد كنّا نمضي أسبوعاً من أروع الأسابيع التي نقضيها طوال العام كله، يبدأ ذلك حين نرتدي ملابسنا القديمة التي لن نستطيع ارتداءها مرة أخرى بعد اتّساخها بزيت الزيتون، وننطلق حتى نصل الحقل، فنشعر بشجر الزيتون المتدلية أغصانه من كثرة الثمر، وقد وقف يستقبلنا، ويبادلنا الأشواق، فنتسابق كل إلى شجرة ونحتضن جذوعها الأصيلة التي حفرنا عليها كل اسمه العام الماضي، ثم نبدأ بقطاف زيتونها الأسود والأخضر رويداً رويداً، وما أجمل رائحة الزيت الذي يقطر من بعض الحبّات فيملأ أيادينا، كنّا نذهب إلى الحقل منذ شروق الشمس وحتى غروبها، ونعيش أجمل الأجواء هناك، فنستظل بظل هذه الشجرة الشامخة تارة لنشرب كأساً من الشاي، وتارة لنتناول ما جادت به جدتي من طعام، وتارة لنستريح قليلاً ونتسامر.


نستمر على حالنا هذا أياماً طوال قد تمتد إلى عشرة أيام، فذلك يعتمد على عطاء شجر الزيتون هذا العام، وبعد ذلك نتساعد في حمل ما عبأناه من أكياس زيتون إلى السيارات، فيُنقل بعضها إلى بيتنا وبيوت جدي وأعمامي، فيما يُنقل بعضها الآخر إلى المعصرة لتبدأ حكاية أشهى زيت جادت به الأرض على الإطلاق، فلونه الأخضر الغامق، وشكله المُنساب من أنابيب المعصرة، ورائحته الذكية تحرّك فيك الحنين إلى أرض الأجداد، لا سيما إن كان مغموساً بلقمة خبز طابون وزعتر طازج من الحقل، وتكتمل الروعة حين تغرف جدتي ما نقلناه إلى بيت جدي من ثمار، وتصنع منها زيتوناً كبيساً ليس أشهى منه يكفينا طوال العام.


بالإضافة إلى ما تصنعه من بقايا الزيت من صابون طبيعي رائع التأثير على الشعر والبشرة، فما أجملك أيتها الشجرة أصيلة أصالة الأجداد، وطيبة طيبتهم.


الخاتمة

في شجر الزيتون الشامخ نشعر بطيبة الأجداد، وبثمره وزيته على طاولة الطعام تحلّ البركة، فشجر الزيتون ليس مجرد شجر مثمر وحسب، بل هو رمز للأرض سيبقى يربطنا فيها رباطاً أبدياً ما حيينا.



الموضوع الثاني

المقدمة

كيف لنا أن نتخيّل مدى أهميّة شجرة الزيتون إلّا إذا أدركنا أنّها إحدى ما أقسم به الله تعالى به في كتابه العزيز حين قال: (والتين والزيتون)!، إذ لم يُقسم الله بهذه الشجرة المباركة إلّا ليزيدها تشريفاً، وتكريماً، ويلفت نظر الإنسان لأهمّيتها في حياته، وهو ما اكتشفه العلماء فيما بعد من خلال البحث والدّراسة.


وصف شجرة الزيتون

تقف شامخة كامرأة عجوز خُلقت لتحمي أرضها، فتراها ضاربة جذورها بعمق في هذه الأرض الطيّبة منذ آلاف السنين، صامدة في وجه الظروف البيئيّة، دائمة الخضرة لا تتساقط أوراقها الخضراء الغامقة مهما شهدت من تغيرات في المناخ، فلا يؤثّر بها برد شتاء، ولا حرارة شمس صيف، فوريقاتها لا تستسلم في فصل الخريف مثل أوراق الأشجار الأخرى، إنّها شجرة تصلح لأن تكون سيدة في البساتين التي تُزرع فيها، فظلالها الوارفة، وثمرها الأخضر، والأسود الزكيّ الذي ينضج من العام إلى العام، بالإضافة إلى منظرها الجميل، كل ذلك يؤهلها لأن تسمّى بشجرة الحياة، وسيدة البساتين مهما تعدّد فيها من شجر.


فوائد شجرة الزيتون

لهذه الشجرة وثمرها فوائد جمّة قد يصعُب حصرها، إلّا أنّ من أهم ما يمكن ذكره هو رمزيّة هذه الشجرة وارتباطها ارتباطاً وثيقاً بوجود الإنسان، وملكيّته وولائه للأرض -كما بالنسبة للشعب الفلسطينيّ الذي يعدّ هذه الشجرة رمزاً له-، بالإضافة إلى الفوائد المختزنة في حبّاتها التي تشكّل صنفاً أساسياً من أصناف الغذاء على المائدة، وما يجتمع في الزيت المُستخلص منه من فوائد؛ فهو زيت نباتيّ صحي غنيّ بالدهون الجيّدة، والتي تؤهله ليكون واحداً من الزيوت غير الضارّة بأصحاب أمراض القلب والكولسترول، يُضاف إلى ذلك فوائده الجماليّة الكثيرة للحفاظ على البشرة، والشعر وغيرهما، ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل يمتدّ ليدخل هذا النوع من الزيوت في صناعات عديدة كصناعة الصابون، والصناعات الطبيّة الأخرى، ولا ننسى استخدام نواة ثمر هذه الشجرة في الإشعال، والتدفئة، والشواء.


بالإضافة إلى كون هذه الشجرة العظيمة مظهراً من مظاهر الترابط الاجتماعي بما يُقام تحتها من جلسات عائلية، وولائم أحياناً، وما تسبّبه من تآلف اجتماعي يحدث في مواسم قطف الزيتون الذي تتشارك به العوائل بصغيرها وكبيرها لجني خيرات الأرض، وتحصيل ما وهبهم الله إيّاه من رزق، فتسمع الأهازيج الجميلة منطلقة من الأفواه فتملأ أجواء الحقل أثناء قطاف الزيتون تخالطها نكات الكبار، وضحكات الأطفال ومشاكساتهم، وهو ما يرسم لوحة فريدة فائقة الجمال.


الخاتمة

للبيئة علينا حقّ يتمثّل في حمايتها حتى تستمر بعطائها لنا، وشجر الزيتون جزء كبير من هذه البيئة علينا أن نهتم به، ونحافظ عليه بعدم قطعه، وبالعناية به وريّه، ومحاولة تكثيره في كلّ فرصة، فهو نعمة عظيمة لا يدركها الجميع.