الموضوع الأول

المقدمة

هيفاء هي صديقتي الصدوقة، وأقرب رفيقاتي إلي، لا أجزم أنّ قدم عهد صداقتنا وعمرها الذي تجاوز الاثني عشر عاماً هو السبب في هذا القرب، لكنّه أحد الأسباب، فأنا أعرف هيفاء منذ كنا صغاراً، وأحفظ تفاصيل شخصيتها الجميلة عن ظهر قلب، حدث ذلك عندما قدم أهلها إلى الحي الذي كنا فيه، وتعارفنا على بعضنا منذ ذلك الحين واستمرت صداقتنا إلى اليوم، واليوم تطلب مني صديقتي هيفاء أن أملأ ورقة مطوية أتحدث بها عن سلبياتها بسرية تامة، فهذا ما طلبته مدربة الدورة التي التحقت بها هيفاء، كنوع من مواجهة الذات وتدارك سلبيات الشخصية.


هذه أنت

طويت الورقة بعد أن كتبت فيها ما كتبت، وقد أمضيتُ من الوقت الكثير، وكلما طال الوقت اكفهرّ وجه صديقتي التي لم تنبس ببنت شفة، ظناً منها بأنني استغرقت هذا الوقت كله في إحصاء سيئاتها، ورغم ذلك ابتسمت وشكرتني وانسحبت مازحة "الله يستر"، وفي اليوم التالي طلبت المدربة من الملتحقات بالدورة تسليم الأوراق التي لم يرينها، ثمّ بدأت بقراءتها بالترتيب، وجاء دور هيفاء.


شخصية صديقتي

صديقتي هيفاء..عرفتك منذ كنا فتيات صغار فكنت خير الأخت والصديقة، قاسمتني كل ما ملكتِ ولم أملك، ومنحتني ما أحتاج دون أن تشعرينني بأن أقل منك أبداً، كبرنا معاً وكبرت أحلامنا معنا، ولا أذكر مرة أنني شاركتك واحداً منها إلّا وكنت خير الداعم والسند، والحافز والدافع، فإن حققتها ونجحت فرحتِ لي أضعافا مضاعفة، وإن خانني القدر وفشلت شددتِ من أزري وقويتي من عزيمتي ودفعتني للمحاولة من جديد، ما تعرّضت لمشكلة عائلية أو شخصية إلّا وكنت إلى جانبي نعم الصاحبة الناصحة الحكيمة، التي لطالما أطفأت نار غضبي، ووسعت بئر حُلمي، حتى صبغتني بأخلاقك الكريمة رويداً رويداً أيتها الفتاة التي يفوق كرمها حجم ما تملك، علمتني كيف يكون البذل والعطاء، والمنح والسخاء، والصفح والتسامح، لا أذكر أنك خاصمتني يوماً، فإن تجادلنا وكنتُ أنا المخطئة أخذتيني بحلمك، وفقهتيني بما لم أكن أعلم، وإن كنت أنت المخطئة لم تتاوني لحظة علن الاعتذار والإقرار بالذنب.


لم أعهدك يوماً عاقة لوالديك، بل كنت أرى منك أجمل صور البر والرحمة بهما، ولا متلائمة على إخوتك، بل كنت ألمح في عينيك أعمق معاني الحنان والرأفة، ولا قاطعة لصديقاتك تبثين السم في المجالس بغيبة، أو نميمة، أو نفاق، بل كان قلبك أطهر من هذا كلّه يأبى أن يرى شرر الخصام دون أن يطفئه، لم تبخلي يوماً على أحد بالمساعدة، بل كنت دوماً أول من يعرضها، ولم تنافقي على حساب مبادئك وقناعاتك، وما أجمل طبع الإيثار فيك فهو أصيل، تبذلين ما تحتاجين إليه عن رضا نفس وقناعة، والكثير الكثير من جميل الصفات التي لا يتّسع لها المقام، بل تتجمل فيها القلوب، وتشهد عليها الأيام والمواقف.


الخاتمة

صفّقت الحاضرات جميعاً لهيفاء بعد سماع خطابي هذا، فيما قدمت لي هيفاء إلى المنزل بعد انقضاء الدورة، وقد اغرورقت عيناها بالدموع، ونظرت لي وقد أمالت رأسها بنظرة معاتبة وقالت "يا غشاشة"، فضحكت وأنا التي فهمت قصدها، ثم تعانقنا وتعاهدت على الصداقة الأبدية القلوب.



الموضوع الثاني

المقدمة

صدق الشاعر في حروفه حين قال:

ألا إنّما الإخْوانُ عِنْدَ الحَقائِقِ

ولا خيرَ في ودِّ الصديقِ المُماذِق

لَعَمْرُكَ ما شيءٌ مِنَ العَيشِ كلّهِ

أقرَّ لعيني من صديقٍ موافقِ


فليس كصديق يصدقك القول والفعل، ويكون لك مرآة نفسك التي تسعى من خلال النظر فيها إلى الكمال، وهو عون لك في الشدائد، وسند عند الفرح، وأهل لمشاركتك تفاصيل الحياة، فالحياة إن لم يجد فيها الإنسان من يشاركه أفراحه، ومخاوفه، وسعادته، وقلقه، هي حياة خالية من الحياة، شاحبة لا تعرف الألوان.


وصف شخصيّة صديقتي

ألمح مشاعرها الصادقة في عينيها البنيّتين اللامعتين من بعيد، مبتسمة وفي ابتسامتها الرائقة رضا ينبع من القلب فيزيّن الملامح، شامخة وفي شموخها الذي تعكسه مشيتها الجسورة تجسّدت كل معاني العزّة والكرامة، بشوشة وفي بشاشة وجهها الدائري كما القمر تظهر أمارات التواضع، والرأفة، والحنان.. وشعرها المُنسدل الأسود حكاية غجرية أخرى، إنّها صديقتي، ورفيقة عمري وصباي التي ما إن خطت قدماي أول خطواتها في طريق الحياة حتى وجدتها إلى جانبي، فكانت لي نعم الأخت التي لم تلدها أمّي، أراها نعمة قد حباني بها الخالق، ورزقني بها دوناً عن بقيّة الصديقات، عرفتها فكانت لي عوناً على زلّاتي حتى خلّصتني منها بنصيحة ولين، نصحتني وكتمت أسراري ولم تكن لها من المعلنين، فيها من الوفاء ما يشابه وفاء الأبرار والصدّيقين، فكيف لا أحبّها؟


أحبّها لأنّ فيها من الأخلاق والتواضع ما يدفعها لمساعدة الغير دوماً دون تردّد، وبث الطاقة الإيجابيّة والتفاؤل في اليائسين من حولها كفراشة ملوّنة تتراقص في حقل زهور يانعة، أحبّها لأنّ جِدّها في موضعه، وهزلها في مكانه، ففي المواقف الصعبة هي الحكيمة، وصاحبة الرأي القويم، وفي وقت الهزل ظريفة طريفة لا يستطيع الجالس إلّا أن ينطلق معها بضحكاته حتى تصل عنان السماء، وهي الأخت التي لا أرجو عنها افتراقاً، والتي أتمنّى أن أبني معها دوماً للصداقة صرحاً وآفاقاً، تلك التي لم أرَ يوماً فيها كذباً، أو غدراً، أو نفاقاً.


إن أصبت في سلوكي دفعتني، وحفّزتني دون غيرة منها أو حقد، وإن قصّرت في حقِّ أحدهم أنّبتني دون قسوة حتى أعادت للقلوب صفاءها، وإن جافيتها يوماً مدّت للودّ بين روحينا جسراً خجلت من جماله وعدتُ إليها معتذرة مشتاقة، أمّا إن احتجتُ للمساعدة يوماً، فأجدها حاضرة في كلّ وقت وحين، وهي تعرف أنّ للصداقة واجبات، فتقوم بها على أتمّ وجه، وتخبرني دوماً بأنّ الأخوّة بالله حبل وثيق علينا أن نحفظه من البتر أو الاهتراء بسلوكاتنا الرحيمة وأفعالنا، صريحة هي فلا تجمّل أخطائي، بل تدفعني برفق لتجاوزها، فلله درّها ما أجمل قلبها، وما أروع روحها!.


الخاتمة

في عينيّ صديقتي أجد دنياي، ومرفئي من تعب هذه الحياة، كلّما نظرتُ إليها أحسست أن الدنيا لا تزال بخير، وأنّ واجب الصديق على صديقه كبير لا بدّ أن يؤديه بمحبّة، وإخلاص في كلّ الظروف، فما الدنيا إن لم يكن بها عكّاز يسمى (الصديق) نتّكئ عليه بكامل هشاشتنا وضعفنا، ونجنّ معه بكل فرح وسرور!