الشخصيّة القياديّة الناجحة

تكون الشخصيّة القياديّة بامتلاك الموهبة التي تؤهّل الشخص إلى النجاح، وبالتدريب وتنمية المهارات أيضاً، حيث تؤمن هذه الشخصيّة بأنّها يجب أن تحقّق التوازن بين الصفات الذاتيّة، والحماسة، والثقة بالنّفس، لأنّ هذا الأمر هو ما يؤهلها لتتحوّل من مجرد شخصيّة عادية إلى شخصيّة قياديّة يتأثّر بها الناس، وتكون موضوعاً لحواراتهم، وعلماً من الأعلام التي يكتب عنها التاريخ، وقد عرُفت على مدار الزمان العديد من الشخصيات القياديّة المؤثرة الذي يُعدّ صلاح الدين الأيوبيّ إحداها.


شخصيات قيادية تاريخية

خالد بن الوليد

لم يُسمِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الصحابي المغوار ب"سيف الله المسلول" إلّا لاستحقاقه لهذا اللقب، فالقارئ في سيرة خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي يعلم مدى براعته في قيادة الجيوش، والتخطيط للحروب بطريقة عسكرية فذّة منعته من خسارة أكثر من مئة معركة طوال فترة حياته، وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي دين قوة ومنعة بتولي الله له، إلّا أن إسلام خالد بن الوليد كان له إضافة كبيرة في زيادة هذه المنعة والقوة، وتقوية شوكة المسلمين، إذ يُعدّ إسلامه خسارة لقريش بعد أن كان له دور كبير في انتصارهم في معارك عدّة مثل معركة أحد وغيرها، وليس هذا وحسب، فقد عُرف عن هذا المقدام تحقيق الانتصارات الباهرة، وإلحاق الهزائم الساحقة بأعدائه، حيث لم يكن ليكتفي بالانتصار في معاركه وحسب، بل كان يعمد لإبادة جيش العدو كاملاً حتى يعدّه نصراً حقيقياً.


اعتمد خالد بن الوليد في معاركه الفكر العسكري غير التقليدي، ما جعله متفرّداً عن قادة الجيوش جميعها آنذاك، فكان تارة يتبع أسلوب المناوشات العسكرية لإنهاك قوة الجيش الخصم، وتارة يتبع أسلوب الحرب النفسية والمعنوية، وتارة تسعفه بديهته السريعة بتكتيك عسكري طارئ ينقذ موقف المسلمين، ويقلب الكفة لصالحهم كما فعل في معركة مؤتة الخالدة، وقد عُرف هذا الصحابي الجليل بسرعة بديهته، وحنكته العسكرية، بالإضافة إلى معرفته بالطبيعة الجغرافية الكاملة للمنطقة وهو ما ساعده بالتأكيد على تنفيذ خططه التي ما زالت تُدرس إلى اليوم في أكبر الكليات العسكرية، وقد عرف القيادي خالد بن الوليد بشخصيته القوية الجذّابة، وبروايته للحديث -رغم أحاديثه القليلة- ويُذكر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قام بعزله بعد حروب الردّة خوفاً من أن يُفتن الناس به، فانصاع لأوامر خليفة خليفة رسول الله، فيما أذاع الخليفة بالأمصار بأنه لم يعزل خالداً لخيانة جاء بها، أو لسخط منه عليه، وإنما خوفاً من فتنة الناس به.


توفي سيف الله المسلول بعد حياة كاملة قضاها في إعلاء دين الله تعالى، وتكفيراً عن معارك كثيرة قادها ضد المسلمين قبل إسلامه، فسطّر بذكائه وحنكته العسكرية أعظم الصور التي ما زالت محط إعجاب الكثير من الكتّاب، وصنّاع السينما والأفلام، والأساتذة العسكريين، وهذا ما تعكسه الكتب التي أُلّفت حول شخصية أبي سليمان وتكتيكاته الحربية، والأفلام والمسلسلات التاريخية التي حاولت تصوير هذه الشخصية الفذّة، والخطط العسكرية التي تناقش وتدرّس إلى الآن، توفي سيف الله المسلول، وما في بدنه موضع شبر إلّا وفيه ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم، وكان مما أحزنه أنّه توفي -رغم هذا كلّه- على فراشه لا في معركة من المعارك، وقد قيل أنّه توفي في حمص، فيما قيل في بعض الروايات أنّه توفي في المدينة المنورة وأن عمر بن الخطاب قد حضر جنازته، فرحمك الله وأخلفنا خالداً مثلك.


صلاح الدين الأيوبي

ذاع سيط صلاح الدين الأيوبيّ الذي ضرب مثالاً في التقوى، والزهد، والشجاعة حتى يومنا هذا، والقائد صلاح الدين الأيوبي هو مؤسس الدولة الأيوبيّة التي قامت بتوحيد الشام، ومصر، وتهامة، والحجاز تحت راية الدولة العباسيّة، إذ قاد صلاح الدين الأيوبي العديد من المعارك والحملات ضد الصليبيين والفرنجة لاستعادة الأراضي المقدسة منهم، والتي كانوا قد استولوا عليها سابقاً، وتمكن من إلحاق الهزائم بتلك القوات واستعادة مساحات شاسعة من فلسطين ولبنان، بما فيها مدينة القدس، وذلك في معركة حطين الشهيرة.


كان صلاح الدين يراقب الأحداث والتطورات السياسيّة والعسكريّة الحاصلة قبل أن يستلم أي موقعٍ عسكري، ومن أهم تلك الأحداث التي كانت تدور في وقته الصراع مع الصليبيين، حيث أثّرت تلك الأحداث بشكلٍ كبير على فكره وشخصيّته القياديّة حتّى وإن لم يشارك فيها، فأخذ يُعدُّ نفسه للمستقبل، ويسعى لأن يتبوأ مناصب متقدّمة في الدولة، ولن أنسى أن أشير إلى التنشئة العلميّة والعسكريّة التي تلقّاها صاح الدين الأيوبيّ منذ صغره، والتي مكنته من أن يكون لاحقاً من أنجح وأشهر القادة في التاريخ الإسلامي.


نجح صلاح الدين الأيوبي من تحقيق إعجاب وتقدير قادته، حتى تولّى منصب رئاسة الشرطة في عهد نور الدين زنكي، وقد تمكن من خلال منصبه هذا من تطهير دمشق من اللصوص والمفسدين، وأعاد للمدينة أمنها واستقرارها، أمّا عن الفترة التي قضاها صلاح الدين الأيوبي في مصر، فهي من أعظم الفترات التي كشفت عن صفاته القياديّة العظيمة، وشجاعته النادرة، ومن هنا برزت شخصيّة هذا القائد الناجح الذي حقّق انتصارات مهمّة منقطعة النظير أذهلت العالم في الشرق والغرب، ليتحوّل إلى مدرسةٍ يتعلمون منها فنون القيادة الناجحة.


يتجلّى لنا في نهاية هذا الملخّص عن شخصيّة القائد الناجح المتمثلة بشخص صلاح الدين الأيوبي، بأنّ القيادة ليست مجرّد لقب، ولكنّها مسؤوليّة عظيمة وكبيرة لا يمكن أن يتحمّلها إلا الشّخص الذي تحلّى بسمات القيادة، وصقلها وتعب على نفسه من خلال التعليم العالي، والتدريب الشّاق، ليكون في النهاية أهلاً لأن يصبح قائداً، فما أجمل أن يعمل كلّ منّا على نفسه، فينمّي مهاراته ويطوّرها، ويتقّي الله في أمور نفسه وغيره حتى نجدّد عهد صلاح الدين الأيوبيّ، وغيره من القادة الشجعان الذين قضوا نحبهم، وما انقضت سيرهم حتى اليوم.



للمزيد من المواضيع: موضوع تعبير عن شخصية مؤثرة، موضوع تعبير عن شخصية عمر ب الخطاب