فصل الربيع

يقول الشاعر أحمد شوقي في وصف هذا الفصل البديع:

آذار أقبلَ قمْ بنا يا صاحِ

حيِّ الربيعَ حديقةَ الأرواحِ

مَلَكَ النَّبَاتُ فَكُلُّ أَرْضٍ دَارُهُ

تَلْقَاهُ بِالأَعْرَاسِ وَالأَفْرَاحِ

مَنْشُورَةً أَعْلامُهُ مِنْ أَحْمَرٍ

قَانٍ وَأَبْيَضَ فِي الرُّبَى لَمَّاحِ


صحيح أنّ فصل الشتاء حياة للأرض والنبات، وفصل الصيف حركة وحياة، وفصل الخريف آية لتجَدّد الكون بعد ذبول الحياة فيه، إلّا أنّ ذلك الفصل البديع الممتدّ من آذار حتى نيسان يصلح لأن يكون سيّد الفصول كلّها لجماله، وما ينشره من بهجة وحياة في قلوب الناظرين، فلله درّ خالقه!، ولله درّ ما فيه من مفاتن!.


وصف فصل الربيع

يفتح الناظر نافذته في هذا الفصل فتصل إلى روح فؤاده نسائم عابقة بروائح الزهور الفوّاحة المنطلقة من البساتين، تلك البساتين ذات اللون الأخضر المتموّج الذي يعكس بتنوّعه -كما كلّ شيء- إبداع الخالق، فتارة ترى الأرض مكتسية بالأخضر العشبي الفاتح، وتارة أخرى تراها تتشح بلون أخضر غامق يسري عن النفس من جماله، وتارة تهبّ النسائم الخفيفة لتراه أخضر مصفرّاً يحاكي جمال الشمس، تختبئ في داخله بخجل أزهار الأقحوان الحمراء، وأزهار السوسن النقيّة وغيرهما من الأزهار التي امتزجت روائحها فأصبحت تشكّل رائحة فريدة لا يستطيع الإنسان إلّا أن يستمتع بها دون أن يحاول فكّ لغزها.


على سفوح الجبال تقف أشجار اللوز، والتّفاح، والكرز شامخة مزدهية بثمارها التي رأت الحياة لتوّها على شكل أزهار صغيرة ملوّنة جذبت إليها النحل والفراشات المتراقصة فرحاً بحلول الربيع، والشمس الدافئة تطلّ بخجل لتعطي للجوّ نوراً يدغدغ القلب، ويدفّئ الجسد بعد شهور شتاء طويلة قضاها الإنسان في بيته فاشتاقت روحه للحياة، وغيوم متفرّقة تنتشر في السماء تنظر إليها فترى فيها انعكاسات لأشكال واقعية قد تثير عجبك، فترى غيمة بشكل طير، وأخرى بشكل إبريق شاي، وثالثة على شكل حيوان ما وغيرها، فتقضي من الوقت ما لا يُستهان به في تفسير هذه الأشكال مع مَن تُحب، وصوت خرير مياه الأنهار التي أشبعتها قطرات المطر شتاءً ينساب إلى أذنيك فينسيهما ضجيج الحياة من حولك، ورئتاك تتنفّسان أنقى الهواء وأجوده.


وفصل الربيع فصل التآلف، وفرصة للمّ شمل العائلة والصحب والأحبة للخروج في نزهة ربيعيّة يمارس فيها الإنسان رياضة التأمّل في مظاهر الطبيعة العذبة، واستكشاف ما غاب عنه منها، والتسامر معهم ببساطة لاسترجاع ذكريات الماضي الجميل، وتجديد عهود العلاقات بعيداً عن ضجيج التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعيّ يتشاركون أثناء ذلك كأساً لذيذاً من الشاي، أو فنجاناً من القهوة أُعدّ على موقد من الحطب بحبّ ودفء لا يُنسيان.


الخاتمة

لكلّ فصل مظاهره وكينونته، وبهجته الخاصة التي ما إن عمّ حتى نشرها، وفصل الربيع واحد من هذه الفصول التي يجب علينا الاستمتاع بها، ولكنّ هذا الاستمتاع لا يتحقّق إلّا بوجود بيئة نظيفة خالية من القاذورات والملوّثات علينا السعي دوماً في الحفاظ عليها، للمحافظة على حقّنا بالاستمتاع بهذه النعمة، وحقّ الأجيال القادمة في ذلك أيضاً.