الموضوع الأول

المقدمة

يشتاق المغترب إلى وطنه كما يشتاق إلى أمّه وأهله، فيخطط أن يرتمي في أحضانه حين يلاقيه، ويزور كل أماكنه الجميلة، فيستنشق هواءها العليل، ويستمتع بأجمل الأوقات فيه، وهي التي تتحول فيما بعد لذكريات يختزلها في قلبه ووجدانه عند سفره لتكون قوتاً يطفئ به حنينه كلما هبّت رياحه العاتية، وهذا ما دفعني أنا وأسرتي للتخطيط لرحلة إلى وادي رمّ "وادي القمر" فور نزولنا إلى أردننا الحبيب، فهو واد ساحر حسبما سمعنا.


وادي رمّ

اخترنا أن تكون وجهتنا وادي رم رغم أنّ نصائح بعض الصحب والأهل كانت تشير بغير ذلك، كونه -حسب رأيهم- واد لا يرى فيه الزائر غير الجبال والرمال الصحراوية، وبعد أن عزمنا على ذلك، وتوجّهنا في باصات النقل السياحي إلى هناك لنصل مع غروب الشمس ونقضي الليلة هناك، قطعنا الأردن من الشمال إلى أقصى الجنوب حيث يقع هذا الوادي، فوصلنا مع غروب الشمس كما رتّبنا، وقد كانت الخيام التي سنقضي ليلتنا بها جاهزة، فما كان أجمل من هذا المنظر الذي تمشّحت فيه السماء بالألوان البرتقالي، والأحمر، والليلكي فيما راحت الشمس تتسحب مستأذنة الجبال السامقة لتغادر سماءها الواسعة، وأشعّتها تعطي بريقاص غريباً لكثبان الرمال في الوادي، فيما تهب بين الحين والآخر بعض نفحات من الريح، فتغيّر رسم الرمال وتجدد هذا المنظر الأخاذ، وفي الأفق تحلّق بعض الطيور التي لم أميّز نوعها بدقة لبعدها عنّا، انتشلني من خيالي السارح أخي محمد حين ناداني لنقل حاجياتنا إلى الخيمة فاستجبت للنداء.


رتّبنا حاجياتنا في خيمتنا التي كانت تتناسب مع طابع المكان العام، وخرجنا نجلس استعداداً لسهرة فلكلورية جميلة يتخللها عشاء صحراوي فريد من نوعه، تحلّقنا حول النيران التي أضرمت بألواح من خشب الليمون العابق، فأخذت تنعكس على الرمال ووجوه الجالسين، وإلى جانبنا مجموعة من الجمال المزركشة والأحصنة الأصيلة، وفرقة فلكلورية تعزف أعذب الألحان التراثية وتقدّم أجمل الرقصات أيضاً، والقمر فضّياً يتلألأ في السماء فيكمل روعة المشهد وكأنه يراقب من بعيد، وما هي إلّا ساعات حتى افتتح بوفيه العشاء، وتوجهنا لتذوق ألذ لحم خاروف مشوي على الحطب، وشرب القهوة العربية والعصائر وغيرها، طالت ليلتنا حتى امتدت إلأى شروق الشمس التي اشتاقت لملاقاة قمم الجبال من جديد، فوقفنا نراقب طلوعها البطيء، ونأخذ أجمل الصور هناك، ثمّ مارسنا بعض الرياضات مثل تسلّق قمة جبل أم الدامي، وركوب الدراجات الصحراوية قبل أن تعلو الشمس في السماء، وترتفع درجات الحرارة، ثمّ غادرنا المكان.


الخاتمة

لقد استمتعنا في كل لحظة قضيناها في هذا الوادي الساحر، الذي يعكس معنى البيئة الصحراوية البِكر، المشهورة بسخاء أهلها، وهدوئها، ونظافة هوائها، وبعدها عن ضجيج المدن، غادرنا ونحن نحمل أجمل الصور والذكريات على أمل زيارة هذا الوادي الساحر مرة أخرى قريباً.



الموضوع الثاني

وادي رم

وادٍ فيه تحلو الصحبة والسهر والاستمتاع حتى السحر، تحت مناظر النجوم وضوء القمر، إنّه الوادي الطاغي بسحره، والممتدّ بشموخ في جنوب الأردن بعيداً عن مدينة العقبة بما يقارب السبعين كيلو متراً، ويُعتبر هذا الوادي بالإضافة إلى مجموعة من المواقع الأثريّة المميّزة من أكثر مواقع الجذب السيّاحي التي يقصدها سيّاح العالم في الأردن، لا سيمّا أنّه يحتوي على أعلى القمم الجبليّة في بلاد الشام، وهما قمتان: قمّة أمّ الدامي، وجبل رام، فيما لا تقتصر المشاهد الجماليّة فيه على ذلك وحسب، بل تتعدّاها إلى مناظر أخرى قد يُهيّأ للناظر أنّها من وحي الخيال.


وصف وادي رمّ

يكمن جمال هذا الوادي الذي صُوّرت فيه العديد من الأفلام العالمية كفيلم لورانس العرب، والكوكب الأحمر الذي ظهر فيه على أنّه كوكب المريخ وغيرها من الأفلام، في قممه الجبليّة شاهقة الارتفاع، ورماله الصحراوية ذات الألوان البديعة التي تعكس تدرّجاتها إبداع الخالق، ووجود بعض النقوشات الإسلامية والثموديّة فيه، والتي يقصدها بعض السوّاح بداعي الاطّلاع، يُضاف إلى ذلك صفاء سمائه وتكشّفها عمّا تحتويه من نجوم وكواكب يمكن رؤيتها بوضوح كما لا يمكن من مكان آخر، حيث يُعرف هذا الوادي باسم وادي القمر على الصعيدين الوطني والعالمي، ولعلّ السبب الكائن وراء هذا الصفاء هو أنّ الوادي يعتبر محميّة طبيعية يُمنع فيها إنشاء الفنادق، بل يُكتفى بوجود المخيّمات السياحيّة فقط، وذلك يعني الإنارات الخافتة والبعد قدر الإمكان عمّا قد يشتت صفو هذا المكان ويكدّر على الناظر رؤية النجوم، والظواهر الكونيّة بوضوح.


يتّجه السياح عادةً إلى هذا الوادي لممارسة رياضة التأمّل في الطبيعية، والخلوّ مع النفس، لما في هذا المكان من سكينة وبعد عن ضوضاء العالم، فيما تتعدّد الرياضات والنشاطات التي يمكن ممارستها فيه، فيرى الناظر السيّاح يمارسون فيه رياضات ركوب سيارات الدفع الرباعي، وتسلّق الجبال الشاهقة، وركوب المناطيد، بالإضافة إلى امتطاء الإبل والخيول للتجوّل فيها، وكلّ ذلك تحت إشراف أدلّاء سياحيين أكفاء يعطون لهذه الرحلات طابعاً جميلاً يفضّله السيّاح، وتشير الدراسات إلى أنّ هذه المنطقة الصحراوية كانت في وقت من الأوقات منطقة ذات طبيعة شجريّة كثيفة نتيجة لسقوط الأمطار فيها بغزارة قبل تحوّل مناخها إلى ما هو عليه الآن، فيما قد يجد الناظر بعض أزهار شقائق النعمان على جوانب الطرق فيه، بالإضافة إلى بعض أنواع الأعشاب الطبيّة.


الخاتمة

يُعدّ وادي رمّ منطقة من مناطق الجذب السياحي في الأردن لجماله وسحر ما يحتويه من مظاهر طبيعية كالرمال الملوّنة، والجبال الشاهقة وغيرهما، وهو ما يدفع الأردنيين للاعتزاز بوجوده، وعكس صورة مشرقة للسيّاح فيه حيث يجب التعامل معهم برقيّ، وعدم استغلالهم، بالإضافة إلى دورهم في الترويج السياحيّ لمثل هذه المناطق للسماح للعالم كلّه بالاطّلاع على حضارة هذا البلد، وجمال الطبيعة فيه.