المقدمة

خلق الله الناس على هذه البسيطة، وبعث لهم الرسالات يحملها رسل مؤيدون من عنده، كانت دعوتهم -على اختلافهم واختلاف أقوامهم- أن لا إله إلّا الله، وقد كان أول هؤلاء الرسل المرسلين إلى الناس سيدنا نوح عليه السلام، والذي أول ما يخطر لنا عند سماع اسمه سفينته العظيمة التي صُنعت من ألواح ودُسر، إذ قال فيها الله تعالى: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ).


دعوة سيدنا نوح

كان شأن سيدنا نوح عليه السلام شأن باقي الأنبياء والرسل، إذ بعثه الله لقوم يسمّون بني راسب لكي يخلّصهم من شركهم بالله، وعبادتهم للأصنام التي توارثوا عبوديتهم لها عن آبائهم وأجدادهم الغابرين، فأتاهم يدعوهم بشتى الوسائل والطرق لنبذ هذه المنحوتات التي لا تنفع ولا تضر، واتّباع هدي الله السميع العليم، إلّا أنّهم أنكروا عليه ذلك، واتهموه بالجنون، ورفضوا اتباع نور الله الذي جاء به، ورسول الله نوح مثله كمثل باقي الرسل الكرام، لم يدّخر وسيلة إلّا واتّبعها لهدايتهم، فكان يدعوهم بالجهر تارة وبالسر تارة، فلم يزدهم ذلك إلّا تعنتاً وكفراً، وبلغ منهم ذلك أنّهم كانوا يغلقون آذانهم بأصابعهم عند المرور به، بل ويغطّون وجوههم بثيابهم زيادة للكفر والتكذيب.


إنّ من أول من كذب برسول الله نوح عليه السلام زوجته وابنه، وكان هذا مما استنزف فؤاده وآلم روحه، إذ ليس أقرب للإنسان من زوجه وولده عليه، وبالرغم من ذلك ولمّا استيأس نبي الله نوح من قومه وإجابتهم لدعوته توجّه إلى الله بالشكوى والدعاء، بأن يطبع لله على قلوبهم ويريهم آيات عذابه، ولأنّ نوح عليه السلام من عباده المخلصين استجاب الله لدعائه، وأوحى إليه بصنع سفينة يستخدم في صنعها الأخشاب والمسامير، وأنّ علامة هذه السفينة هي فوران التنور -المصنوع من الحجارة- بالماء، ولما كانت البيئة التي بُعث إليها سيدنا نوح تخلو من البحار والأنهار كان قومه يأخذون بالاستهزاء منه، والضحك عليه كلّما مروا ورأوه منهمكاً في صنع سفينته.


فوران التنور

أمر الله تعالى سيدنا نوح عليه السلام بأن ينتظر أمر ربه القادم حين فوران التنور، وأن يحمل في هذه السفينة من كل نوع من المخلوقات زوجين، أحدهما ذكر والآخر أنثى، فيما كان يُشفق على ابنه وزوجته، فزاد في دعوتهما قبيل انقضاء مهلة الله لقومه، وحلول الطوفان، واستمرّ في ذلك دون جدوى حتى فار التنور وعلت الماء من حولهم، وتلاطمت الأمواج فأضحت كالجبال، فيما سخّرها الله تعالى للنيل من الكافرين الجاحدين، فكان المشهد أقرب بحلم بعيد عن التصديق، وكأنّه هول من أهوال يوم القيامة، وكيف لا يكون كذلك وهو من عند الله ربِّ المعجزات!.


الخاتمة

حملت سفينة سيدنا نوح عباد الله المخلصين الصالحين، وزوج من كل نوع من الحيوانات، فيما أغرق الطوفان كل كَفّار أثيم، ولمّا ابتعلت الأرض ماءها استقرّت السفينة على جبل في الجزيرة يسمى الجودي، واستقرت معها روح سيدنا نوح الذي يعلم أنّ أمر الله حق ولو طال ابنه وزوجته، وقلوب الذين آمنوا معه وصدّقوا بالله.