الرّيف
الريف هو المنطقة الجغرافيّة التي يعتمد سكّانها على الزراعة، وتتميّز المناطق الريفيّة بحقولها الممتدّة الجميلة، وبيوتها البسيطة المتباعدة، والمناطق الريفيّة هي رئة الأرض؛ لأنّ الأشجار والغطاء النباتي يعملان على تنقية الهواء، إضافةً إلى أنّ المناطق الريفيّة هي مصدر الغذاء لكافة المناطق الأخرى، وتتميّز الحياة بالريف بالبساطة والهدوء والرّاحة؛ لأنّ الريف بعيد عن ضوضاء، وملوثات المدن.
زيارة إلى الرّيف
قرَّرت المدرسة إقامة رحلةٍ ترفيهيّة في نهاية العام بعد أشهرٍ طويلة من الدّراسة، فكانت الوجهة للمناطق الريفيّة حيث الهدوء والراحة، وللتعرّف على طريقة الحياة البسيطة لسكّان تلك المناطق، وأهميّة المناطق الريفيّة لاستمرار حياتنا جميعًا.
جاء موعد يوم الرّحلة، فاستيقظنا مبكرًا وتوجهنا إلى المرسة والحماسة تملأنا، انطلقت الحافلة من أمام المدرسة بعد تجمعنا، وانطلقت متجهةً إلى المناطق الريفيّة عبر طرقاتٍ واسعة، أخذت تلك الطرقات تضيق، وتتعرّج كلّما اقتربنا من وجهتنا، وتختفي معالم المدينة، ويظهر البساط الأخضر، والحقول المترامية الأطراف على جانبي الطريق، حتى الهواء أصبح منعشًا أكثر كلما اقتربنا، وأخيرًا وصلنا فوقفت الحافلة إلى جانب جدول ماءٍ صغير، نزلنا من الحافلة وطلبت منّا المعلّمة تناول وجبة الإفطار قبل البدء بجولتنا سيرًا على الأقدام للتعرّف على طريقة الحياة في القرى والأرياف.
بدأنا المسير في طرقات القرية، واقتربنا من بيتٍ صغيرٍ أمامه امرأةً تجمع الحطب، توقفت عند رؤيتها لنا وابتسمت، وطلبت منا الاقتراب، وعندما دنونا منها رحبت بنا، ودعتنا لتناول الخبز الذي تقوم بإعداده، فسألتها المعلّمة عن سبب جمعها للحطب والعيدان، فأجابت لتشعل بها موقد الحطب حتى تتمكن من خبز العجين، فجلسنا نراقبها وهي تعمل بنشاطٍ، والسرور يزيّن ملامحها، فأشعلت الموقد، وبدأت بفرد العجين وخبزه في الهواء الطلق تحت ظلّ شجرةٍ كبيرةٍ مغروسة إلى جانب منزلهم البسيط، بدأت الرائحة الشهيّة تداعب أنوفنا، وعلى الرّغم من أننا انتهينا للتو من تناول إفطارنا، إلا أنّ الرائحة أشعرتنا بالجوع، فقامت المرأة بتوزيع قطعٍ من الخبز السّاخن علينا، كم كان مذاق هذا الخبز مميزًا وشهيّاً، وبعد الانتهاء شكرناها على حسن ضيافتها ولطفها، وودعناها جميعًا، وتابعنا المسير عبر الحقول.
مررنا بحقلٍ فرأينا الفلاح يحرث الأرض، ثم ألقينا عليه التحيّة فردّها بابتسامةٍ أظهرت الخطوط المرسومة على وجهه، طلب منا الاقتراب بعد أن ترجّل عن محراثه، فطلبت منه المعلّمة أن يخبرنا عن عمله، طلب منا الجلوس على صخرةٍ تحيط بها الأشجار تقع على جانب الحقل، وقال لنا بأنّ هذه الأرض هي كنزٌ عظيم، يختبئ هذا الكنز في أعماق الأرض، فكلما عملت بجدٍّ واجتهادٍ حصدت الخير الكثير في مواسم العطاء، فتأكل أنت، وتطعم الناس من هذا الكنز، سألته صديقتي: وما هو هذا الكنز يا عم؟ أجاب: الكنز هو الثمر والحصاد الذي نجنيه، فالمزارع يزرع، ويعتني بزرعه حتى ينمو ويكبر ويثمر، يأخذ ما يكفيه لبيته، ويبيع باقي المحصول إلى الأسواق في المدن.
سألته: هل تحصد الثمار مرةً واحدة في العام، فأجاب: كلا يا صغيرتي، فلكلّ فصلٍ ثمره، في فصل الصيف نجني الفاكهة الصيفيّة؛ كالتفاح، والدرّاق، والخوخ، والتين، إضافةً للقمح الذي نصنع به الخبز، وفي الخريف نجني الزّيتون، وفي الشتاء يبدأ موسم الحمضيّات، وهكذا تعطيك الأرض خيرها في كل المواسم والفصول، فنأكل نحن، ونبيع محاصيلنا للمدن التي يعمل أهلها في مهنٍ أخرى غير الزراعة، فالرّيف يا صغيرتي هيلة (سلّة المونة) لباقي المدن.
وبعد حوارٍ ممتعٍ ومثمر مع عمّنا الفلاح، أكملنا مسيرنا في الريف، وتعلّمنا الكثير خلال هذا اليوم، وعند الغروب عدنا أدراجنا إلى حيث الحافلة التي انطلقت بنا في طريق العودة إلى بيوتنا.
الخاتمة
الريف هو المكان الذي نلجأ إليه لتجديد الهواء المنعش الذي نتنفسه، والألوان المتنوّعة، والطبيعة الخلابة التي نمتع به أبصارنا بعيدًا عن جدران المدن الإسمنتيّة، والهدوء الذي يُعيد السكينة إلى أرواحنا بعيدًا عن زحمة المدينة وضوضائها، والرّيف هو الحقل الكبير الذي يُبقينا على قيد الحياة جميعًا، فما أجمل الرّيف.
للمزيد من المواضيع: تعبير عن القرية، تعبير عن الأرض