الموضوع الأول

المقدمة

لي أم حنون لا أرى لها شبيهة بين النساء، تتفانى في خدمتنا جميعاً ولا تغادر البيت كثيراً إلّا إلى بيت جدي في معظم المرّات، وفي يوم من الأيام كنت قد سمعتها تحادث خالتي على الهاتف، وتتفقان للذهاب في زيارة صباحية إلى الريف، حيث تقطن صديقة من صديقات الجامعة، وبناء على ذلك حددن الموعد واتفقن على ساعة الانطلاق.


إيثار أم

كنّا نجلس على مائدة الغداء، وأنا أراقب أمي أثناء تقديم صحون الطعام لنا بعد ساعات متواصلة من العمل في المطبخ، فتعطي أبي ما يحبه من قطع الدجاج، يليه زينة أختي الكبيرة ثم أنا كذلك، إلى أن تنتهي بعمر صغير العائلة، وتأخذ ما تبقى هي من قطعة لها، وتجلس ترعى أمورنا أثناء طعامها، وفي ذلك اليوم جاء أبي متحمساً وجلس إلى طاولة الغداء، فسألته أمي عن أحواله، فأجابها والحماس يتقافز من عينيه بأنّه وأصدقاءه أعدوا لرحلة غداً المقبل ستمتد لأسبوع، وأنه متحمس للذهاب لها، فابتسمت أمي وشجعته على الذهاب، وتمنّت له حظا موفقاً ورحلة جميلة، انطلق أبي للتحضير لرحلة الغد، أما أمي فانطلقت تحمل الصحون إلى المطبخ والابتسامة تعلو محيّاها الوضيء.


تبعتها إلى المطبخ وقلت لها: أمي، لمَ لم تخبري أبي بأنّك كنت ستذهبين في زيارة بعد غد.

-لا يا بُني، فأنا إن فعلت هذا كنت سأنغص عليه فرحته وحماسه لرحلته، وهو الذي يتفانى في تحصيل لقمة العيش من أجلنا، فلا يرفه عن نفسه إلّا مرات قليلة.

-ولكن، أنت يا أمي لا تخرجين من المنزل إلا نادراً، وقد قطعت مع صديقتك حياة موعداً للزيارة.

-لا بأس يا بني، سنؤجلها، فالمهم الآن ألّا يسمع أبوك، أو يعرف شيئاً عن هذا، فيتكدر مزاجه لأجلي، ويجعلني أذهب ويعتذر هو لأصدقائه.

-ولكن يا أمي.

-لا بأس يا بني، فعلى الإنسان أن يؤثر الآخرين على نفسه أحياناً، فطبع الإيثار طبع جليل علينا جميعاً أن نتعامل به ونبتعد عن الأنانية.

-ألاحظ ذلك في تعاملاتك أنت وأبي دوماً يا أمي، فهو يؤثرك على نفسه، وأنت كذلك، وأنتما الاثنان تؤثراننا على نفسيكما.

وفجأة ظهر أبي الذي كان قد سمع حديثنا صدفة أثناء مروره من أمام المطبخ وقال: نعم الزوجة أنت أيتها المخلصة المؤثرة، اذهبي لزيارتك فقد أجريت اتصالاتي مع الصحب، واتفقنا على تأجيل الرحلة إلى الأسبوع المقبل.

تفاجأت أمي مما قاله أبي، وتعللت أنها منشغلة هذا الأسبوع ليعدل عن قراره ويذهب، لكنّه أصر على ذهابها وأجل رحلته.


الخاتمة

تفاجأت أمي من تصرف أبي، ووقفت أنا حائراً فخوراً بهذين الأبوين الذين يزرعان بنا أجمل معاني الإخلاص والإيثار دون أن نشعر.


الموضوع الثاني

المقدمة

لطالما كانت الأنانية التي تعني حبّ النفس وتقديسها والحرص على نفعها دون سواها، أحد الأمراض التي تفتك في المجتمع وتؤدي إلى تفكّكه، ولأنّ الإسلام دين ربانيّ مصدره الله تعالى الذي هو أعلم بالنفوس والمجتمعات وسبل صلاحها، شرّع خُلق الإيثار وحضّ عليه في كتابه الكريم، ووعد مَن يتحلّون بهذا الخلق بالدرجات العالية والخير، ومن الآيات التي تعكس ذلك قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (سورة الحشر، آية: 9)، فالإيثار يعني حب الخير للناس لدرجة تفضيل الآخرين على النفس في بعض المواقف التي لا يتسبّب الإنسان فيها بضرر لنفسه، وهو خلق حسن كغيره من الأخلاق الطيّبة التي أمرنا بها الله من أمانة، وصدق، وكرم وغيرها.


صور الإيثار

على الرغم ممّا نلمحه من الأنانية في مواقف حياتنا لدى البعض، إلّا أنّ الخير لا يزال موجوداً في مجتمعنا، حيث يُعتبر الإيثار شكلاً من أشكاله، فأوّل صور الإيثار سهر الأم وتعب الأب وإيثار تحقيق مطالب الأبناء وراحتهم على راحتهما، كما نلمح في كثير من الأحيان حرمانهما لنفسيهما من شراء بعض الحاجيات لتلبية حاجات أبنائهم من مأكل، وملبس، ومشرب، وتعليم وغيرها، وفي الجهة الأخرى يؤثر بعض الأبناء والديهم على أنفسهم عند كبرهم، فيشترون لهم ما لا يشترونه لأنفسهم مثلاً، ويرسلونهم لأداء مناسك الحج أو العمرة، رغم رغبتهم في أدائها بأنفسهم، وهذه صورة رائعة من صور البرّ سيُجزى عليها هذا الشخص خير الجزاء.


ولا ننسى أنّ المعلّم هو قائد موكب الإيثار في مسيرته، فهذا الباني الذي يضحّي بوقته وجهده، وربما بيته في سبيل الحضور إلى المدرسة لمراجعة بعض الدروس مع طلبة امتحان الثانوية، ويكرّس نفسه وجلّ يومه للإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم، وكذلك الطبيب الذي ينسى في الكثير من الأحيان معنى النوم في سبيل الحفاظ على أرواح الناس، ومتابعة صحّتهم، وغيرهما من المهن التي تتطلب إيثاراً لا يقوم المجتمع بدونه.


ضوابط الإيثار

تقوم المجتمعات وتبقى قويّة لا تتفكّك إذا تم تطبيق خلق الإيثار فيما بينها، إلّا أنّ تحلّي الإنسان بهذا الخلق لا يعني أن يهمّش نفسه دون أن يعطيها حقّها، وأن يفضّل الآخرين على نفسه في كلّ وقت وحين، ولا يعني إطلاقاً أن يسلك هذا الفرد طريقاً يؤذي به نفسه في سبيل أحد ما، فقد قال تعالى في كتابه: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).


الخاتمة

الإيثار خلق حسن تحيا به المجتمعات، ويحبّ لأجله الناس بعضهم بعضاً، ويعمّ الخير الأماكن، إلّا أنّ على الإنسان أن يضمن أثناء تعاملاته ألّا يلحق الضرر في نفسه؛ لأنّ هذا غير مقبول، فحبّ الخير جميل، لكنّ الجور على النفس وظلمها مرفوض في كلّ الأديان.



للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن رسالة أدعو فيها إلى الإيثار والتسامح، موضوع تعبير عن الصدق