دفء الجدّة
الجدّة هي نعمة الله العظيمة علينا سواء أكانت أم للأم، أم أُم للأب، فكلتاهما كنز منحنا الله إيّاه لتحلّي أيامنا، وتحلّ معها البركة في أنحاء المنزل، فليس هناك منزل تسكنه جدّة إلّا وفيه أجمل الحكايا، وألذ جلسات السمر، وأنصع الضحكات الصافية، فالجدّة مستودع الأسرار، وبئر القصص ذات العبرة، وهي اليد الحانية التي تمسح على الجرح ببساطتها فيبرأ، وهي تلكما الشفتين اللتين تعوّذانك بتمتمة أصلها آيات كتاب الله ليغادرك الحزن، والهم، والسقم، هي الجدّة سرّ الله الذي لا يجد له أحد تفسيراً، فطبن الجدّات حيّات كنّ أو مرتحلات إلى جوار الكريم.
فضل الجدّة
للجدّة علينا أفضال لا تعدُّ ولا تُحصى؛ فقد كانت هي سبب وجودنا في هذه الحياة بداية عندما أنجبت آباءنا وأمهاتنا، وبفضلها كبروا وترعرعوا حتى غدوا قادرين على مواجهة الحياة بأنفسهم، واتخذوا خطوة تكوين أسرة خاصة كانا نواتها وكنّا ثمارها، وهي مَن فتحنا أعيننا على ملامح وجهها الوضيء الذي تخبرنا كلّ تجعيدة فيه حكاية شقاء وكرامة، وتعب خاضتها لتربّي أبناءها، وعلى صوت هدهدة الجدّة وأغانيها الحانية نمنا نوماً هنيئاً في الليالي الطوال، وبدفء شالها الصوفي اختبأنا من برد الشتاء القارص وهي تحكي لنا أجمل الحكايات الشيّقة، ومن يديها تذوّقنا أشهى الأطباق التي لا يستطيع إعدادها بذات النكهة أمهر طهاة العالم، ومن تحت أناملها صنعت لنا أجمل الكنزات الصوفية لتطمئن أن لا يطال قلوبنا البرد، ولم تكن تعلم أنّ رحيلها يخلّف برداً لا تطفئه أشجار العالم كلّه إن اشتعلت.
على يد الجدّة تلقّينا على يديها أكثر الدروس نفعاً، ورأينا في تعاملها كيف يكون الكرم، والاعتزاز، ولمحنا في عينيها كيف تكون العزّة وشموخ النفس، ورأينا في تعاملها أفضل الأخلاق الحميدة فكانت مدرسة كتابها هذه الحياة، وطبشورتها أحداثه، وسبورتها قلبها الكبير.
واجبنا تجاه الجدّة
أمسكت جدّتي بأيدينا منذ أن كنّا صغاراً عابرة بنا دروب الحياة الصعبة، مدافعة عنّا من كل خطر وأذى، حتى من أيدي والدينا الحانية التي كانت تمتد يوماً لتؤدّبنا كان حضنها هو المأوى والملاذ، فكيف لا نكون لها الملجأ الآمن عند كبرها! تكبر الجدّة وتبدأ ذاكرتها الممتلئة بتوديع أحداث الحياة فلا بدّ لنا من سعة في الصدر نتحملها بها ونذكّرها بما نسيت ونحن نتذكّر كيف كانت تردّد على مسامعنا الأغاني، والأسماء، والحكايات مرات عدّة دون كلل أو ملل، تكبر الجدّة وتبدأ هامتها العالية بالانحناء، وقواها العظيمة بالانهيار رويداً رويداً، فلا بدّ لنا أن نتذكّر عطاءها لنكون لها السند والعكّاز، فجدّاتنا هنّ البركة التي تتّقد بها البيوت وتحلو بهنّ الحياة.
الخاتمة
جدّاتنا هنّ رائحة الماضي الجميل، وزينة الحاضر الآتي، فلا بدّ لنا من تقديرهنّ أيما تقدير، واحترامهن وإكرامهن أيما إكرام، وتلبية حاجاتهن ولو كانت على حساب حاجاتنا؛ ففي ذلك مرضاة لله، والوالدين، ومحاولة لسداد ديون هي في الأصل لا تُسدّ.
للمزيد من المواضيع: موضوع تعبير عن طاعة الوالدين، موضوع تعبير عن بر الوالدين