المقدمة

صدق الشاعر حين قال:

أخو العلمِ حيٌ خالدٌ بعد موتهِ    وأوصالُهُ تحتَ الترابِ رميمُ

وذو الجهلِ ميتٌ وهو ماشٍ على الثرى   يظنُّ من الأحياءِ وهو عديمُ


لقد كان شعوري وأنا أُقبل في وظيفة "معلمة لمحو الأمية"، غريب جداً، ومشاعري حينها مختلطة بين فرح بقبول الوظيفة، ورهبة ممّا أنا مقبلة عليه، ولكن بعد خوضي هذه التجربة تغيّرت فيّ الكثير من الأشياء، واكتسبت بفعل تجربتي هذه العديد من الأشياء الأخرى، والأهم من هذا أنّ قناعاتي بأهمية العلم وضرورة تلقّيه في صغر الإنسان زادت، وإيماني بأنّ لا مستحيل مع الأمل والطموح وُلدت اليوم من جديد.


نور العلم

للعلم نور لا يستطيع الإنسان العاقل العيش بدونه حتى وإن حتّمت عليه الظروف أن يُحرم منه وهو صغير، فعلى الرغم من أنّ الحكمة القائلة إن "العلم في الصغر كالنقش في الحجر" صائبة بنسبة تامة، إلّا أنّ ذلك لا يعني استسلام المرء لظروفه إن أبعدته يوماً عن سبيل العلم والتعلّم، والعيش في غياهب الجهل أبد الدهر، والتحسّر على نور العلم كل حين، وأنا إذ أقول كل حين فأنا أعني ذلك، وقد بات العلم الذي أساسه القراءة والكتابة متطلباً أساسياً في كل مناحي الحياة، وليس فقط على مقاعد الدراسة، وبين صفوف الكتاتيب كما الماضي.


اليوم أسرح بخيالي في تلك النعمة التي منحني إيّاها الله حين خصّني ومهّد لي طريق التعلّم والتنوير، وأنا التي كنت أرى هذه النعمة تحصيلاً حاصلاً إلى أن رأيتُ جموع النساء من مختلف الأعمار يصطففن في مقاعد فصل محو الأمية الذي أنا مقبلة على تدريسه، والحق أنني شعرتُ حينها أنّ الله خصّني بنعمتين لا واحدة، فالأولى حينما منحني فرصة التعلّم، والثانية حينما أكرمني بنعمة تعليم هؤلاء النساء، ومحو أمّيتهن، وتنوير طريق الحياة أمامهنّ من جديد.


عادت هذه النساء الجميلات رغم كبر سنّهن، وتخطّيهن أغلب مراحل الحياة من زواج، وعمل، وتكوين أسرة إلى مقاعد الدراسة طوعاً منهنّ؛ لشعورهن بأنّ الحياة بلا علم لا قيمة لها، وبأنّ العلم هو تلك الأرضية التي لا يجد الإنسان نفسه ثابتاً من دونها، فقررن بذلك إعادة صقل ذواتهن، وتعلم أبجديات اللغة، والحساب والمنطق من جديد، فجئن إلى هذه الصفوف بهمّة محارب، ونشاط نملة مثابرة، وطموح طير يسابق الغمام، وما أشد فرحتهنّ مع كل حرف كنّ يتعلمنه، ومع كل كلمة كنّ يتقنّ كتابتها، ومع كل عملية حسابية كنّ يجرينها، إذ لم تكن تجاري فرحتهنّ حينها وتزيد سوى فرحتي، فما أجمل أن تمحو عتمة وتطلّق في الأرجاء نوراً.


الخاتمة

ها أنا اليوم أقف والدموع تملأ عينيّ، والفخر يملأ قلبي، والسعادة تحملني فوق الغمام، وأنا أقف جنباً إلى جنب مع مديرة مركز محو الأمية، ووزير التربية والتعليم استعداداً لتخريج الشعبة الأولى من محو الأمية، وفي الروح تعطّش للمزيد، فما أجمل أن تحيي نفساً، وما أجمل أن توقد في الظلام شمعة.



للمزيد من المواضيع: موضوع تعبير عن طلب العلم، موضوع تعبير عن القراءة