المقدمة
ها أنا ذا أقف أمام مدرستي العظيمة بعد سنين عديدة قضيتها بالجد، والاجتهاد، والمثابرة، وقطعت بها تعليمي المدرسي بمراحله الثلاث، أقف وقفتي هذه وقد مرّت من عمري اثنتا عشرة سنة كلمح البصر، فأنا أتذكر أول يوم لي في هذه المدرسة حيث جاء بي أبي إلى هنا وأنا في السادسة من عمري، ووضعني في أحد صفوفها واطمأن علي وعاد راجعاً إلى عمله، أما أنا فجلست باكياً أستقبل هذا العالم الجديد من حولي، وها أنا الآن وبعد اثنتي عشرة سنة أقف باكياً أيضاً لكن لوداع عالمي هذه المرة.
وداع المدرسة
أقف الآن أمام مدرستي متوسطاً باحتها الرئيسية بعد أن قُرع جرس الحصة الأخيرة، أقف غير مصدق أن هذا آخر عهدي بها، تتخافت من حولي أصوات أصدقائي والتلامذة جميعاً حتى تختفي تماماً، فيما يعلو في داخلي صوت يرفض تصديق ذلك، تكاد تنهمر منّي دمعة على أيام مرّت بلمح العين في بيتي الثاني، وكيف لا أعتبره بيتي الثاني وعلى مقاعده قضيت أغلب ساعات يومي، وفي ساحاته لعبت أجمل ألعاب الطفولة، وفي صفوفه تعرفت على من هم الآن أعزّ أصدقائي، وأقدر المعلمين والمدراء!
قررت أن أتجول في زوايا هذا المكان وأركانه ركناً ركناً، لأودّع تفاصيله للمرة الأخيرة، فدخلت غرفتي الصفية التي عشنا بها أجمل اللحظات، ونهلنا بها من أنهار العلم المختلفة، وتعرضنا فيها لمختلف المواقف، ففرحنا سوياً، وضحكينا سوياً، وحللنا مشاكلنا سوياً، على هذه المقاعد قطعنا عهود الصداقة الأبدية التي لا أعرف إن كانت ستستمر، أمّا هذه الساحات ففيها اصطففنا طوابير الصباح، وبها حيينا العلم بهمة، وأنشدنا النشيد الوطني بحماس، وتلقينا أفيد المعلومات في الإذاعة المدرسية، وعلى هذه الأرصفة المقابلة للمقصف جلسنا، فتناولنا أطيب منقوشة زعتر وكأس شاي مع الصحب والرفاق، صعدت إلى الحديقة، وقد كانت الأشجار شاهدة على ما دار بيننا من نقاشات، وما علا تحتها من ضحكات، وفي طرقها الترابية ركضنا معاً، والآن كل منّا سيسير في طريق رسمه لنفسه ليصنع عالمه الخاص، أترى ستلتقي هذه الطرق مرة أخرى لتجمعنا مع رفقاء الطفولة، أم أنّ هذا إياب بلا عودة يا دنيا!
الخاتمة
سقطت مني دمعة حارة خلسة، وإذا بيد حنون تمسحها عن خدي برفق، فالتفتت، فإذا به أستاذي العطوف عبد الرحمن غالب، أمسك بيدي وسار معي يخفف عني وطأة ما أشعر به، وأخبرني بأن ما يعتريني من مشاعر هي مشاعر طبيعية وصحية، فالحياة مراحل يجب أن يجتازها الإنسان ليتقدّم ويتطوّر في رحلة الحياة، ولكل مرحلة لذتها وخصوصيتها، والناجح من يستفيد من تجاربها دون أن يحرم نفسه من الاستمتاع بالحاضر والمضي إلى المستقبل، والآن يقيم أصدقائي حفل وداع جميل يتقاسمون به ألذ قطع الحلوى وأجمل الذكريات، وقد قررت أنني سأشاركهم إياه بلا تردد.
للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن المدرسة، موضوع تعبير عن المعلم