المقدمة

لكل فصل في نظري جماله، ففي فصل الصيف تلفح أشعة الشمس تضاريس الأرض فتمنحها مشحة ذهبية تزيدها جمالاً، أما الربيع فيكسوها ثوب أزهار ملونة يانعة يعجز عن وصفها اللسان، والخريف وإن كان فصل التساقط والتخلي، فهو من زاوية أخرى فصل بداية التجدد بعد التخلي عن القديم، أمّا فصل الشتاء، ففصل العاشقين، والشعراء، فصل تطرب لموسيقى المطر فيه القلوب، وتهدأ للفحات الهواء الباردة النفوس، فما أجمله من فصل، ولحبي لهذا الفصل أجلت رحلة سفري السنوية لتكون فيه، فأنا أطمع برؤية الطبيعة تكتسي ثوبها الأبيض شديد الجمال.


المنظر الآسر

كانت وجهتي إلى لبنان حيث الجمال الطبيعي البكر، وبعد رحلة رائعة استمرّت أيام أشار لي صديق بالذهاب إلى جبل الشيخ، كنت قد سمعت عن هذا الجبل كثيراً، لكنني لم أكن قد زرته حتى اللحظة، أشار علي فوافقت، وانطلقنا إلى هناك، وقد أعددنا عدّة التزلج لنلهو قليلاً، فرياضة التزلج هي الرياضة الأولى على هذا الجبل، وما هي إلّا ساعات حتى اقتربنا من جبل الشيخ، كنت أحادث صديقي بينما يقود السيارة، وقد ظهرت لنا فجأة قمة هذا الجبل من بعيد، لقد بدا أبيض القمة يعانق السحاب، وأنا لا أقول يعانق السحاب مبالغة، فقد كانت قمّته تتعالى حتى وصلت السحب من علوّها، لقد أسرني المنظر فأسكتني، ولما رأى صديقي حالي ابتسم، وقال لي بلهجته اللبنانية الجميلة: يا ويلك من يلي جاي لكان!، فقلت: وهل هناك أروع!


وصلنا الجبل، فتجلت الروعة التي خلقها الله جميعها في هذا الجبل، رأيته مكتسياً بالثلج حتى أعلى قمّته كعروس اكتست فستان عرسها فأذهلت الحاضرين، وهو إذ يتوسط سوريا ولبنان كما تتوسط العروس أهلها الذين تودّع، وأهل زوجها الذين سيستقبلونها بالزغاريد، بقيت متسمراً في مكاني مشدوها بالمنظر بضع دقائق، حتى شدني صديقي فصعدنا الجبل المغمورة تضاريسه بالثلج، والناس من حولنا يتزلجون، ويتقافزون فرحاً بتلك الزخات الفضية من الثلج، والتي بدأت تتساقط عليه بكثافة ونعومة، فتمحو آثار خطو أقدامهم، ومزالقهم، استمرينا بالصعود وأشجار الأرز والصنوبر اكتست هي الأخرى بالثلج ووقفت بشموخ في كل مكان تحيي الزائرين، أما النوارس فتحلّق فرحاً حول قمة الجبل فتزيد المنظر جمالاً وحسناً، فتدخل من طرف غيمة، وتخرج من الجهة المقابلة لاهيةً لا تحمل هماً ولا تشكو من غم، ركبنا التلفريك المعلق، فازداد المنظر روعة من الأعلى، أخذت أراقب تفاصيل المنظر الطبيعي الذي يتجلى أمامي، فإذا بصخرة متكشّفة قد انساب من تحتها ينبوع ماء سائغ تداعبه أشعة الشمس الخجلى التي تطل تارة وتغيب تارات، وقد نمت حوله بعض الأعشاب البرية التي أثقلتها حبّات الثلج فمالت نحو الأرض بحياء، سرنا وما توقف إعجابي بهذا المنظر المهيب لحظة حتى وصلنا أسفل الجبل، وأنا الذي تمنيت لهذه الرحلة أن تطول ولا تنتهي.


الخاتمة

كانت الشمس الخجولة قد بدأت بالمغيب، فغادرت مودعة حبيبها الجبل بسكينة حتى غابت خلف الأفق، فسرنا نحن أيضاً وقد سكنت قلبي حكاية إعجاب بهذا المنظر الطبيعي لن تنطفئ إلى الأبد.



للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن فصل الشتاء، موضوع تعبير عن البحر وجماله