الشتاء

يحمل الخريف حقائبه في تشرين ملوِّحاً على أمل العودة في أيلول العام المقبل حاملاً معه الطّيور المهاجرة إلى بلادٍ دافئة، تاركاً مكانه ليالٍ باردة قارسة، تتخلّلها أمطارٌ وثلوج، وتشتعل النيران في المواقد، فيتحلّق حولها الجّميع يلتمسون الدّفء، وتبدأ حكايات ليالي الشتاء الحميميّة الجميلة، إنّه فصل الشّتاء.


مظاهر فصل الشّتاء

فصل الشتاء هو الفصل المتمّم لفصول السّنة الذي تتعرّى فيه الأرض من بساطها، وتكشف التربة العطشى عن نفسها مستعدّةً لاستقبال خير السّماء من المطر، وهو فصلٌ يعتقد فيه الجميع بأنّ الأرض ماتت، ولكنّ الأرض في الحقيقة تستعدّ لميلاد الحياة بشكلٍ جميل، وفصل الشتاء هو فصلٌ ترتوِي فيه الأرض، وتغتسل الأرض والسّماء من غبار الصّيف وحرّه، فتنفجر الينابيع من جديد، وتفيض الأنهار مبشِّرةً بمواسم الخصب القادمة، فصل الشّتاء هو فصل ميلاد الحياة للأرض والإنسان، ولكلّ الكائنات الحيّة.


والشّتاء عند الشّعراء والأدباء هو فصل الشّوق، حيث يقول الشّاعر فاروق جويدة:

"الوقت ليلٌ والشِّتاء بلا قمر، نشتاق في سأم الشِّتاء شعاع دفءٍ حولنا، نشتاق قنديلاً يُسامر ليلنا، نشتاق من يحكي لنا من لا يمل حديثنا، تنساب أغنيةً فتمحو ما تراكم من هوان زماننا".

من أهمّ مميزات فصل الشّتاء السّكون والهدوء الذي يعمّ المكان، فبعد الفوضى والضّوضاء التي تحدث في كلّ الفصول، يأتي الشّتاء ليصمت الجميع، ويهرعوا إلى أماكن سكناهم ملتمسين الدّفء والسّكينة بعيداً عن برد الشّتاء وعواصفه، حتّى ثياب الشّتاء تتميّزبأناقتها ورقيّها وبساطتها.

أمّا مجالس الشّتاء التي من شأنها أن تجمع الجّميع في مجلسٍ واحد، عجزت كافة الفصول عن فعلها، يتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث، تتعالى ضحكاتهم وهم يجتمعون أمام النّار، ينبشون الذاكرة عن أحداث ماضيّة، ففصل الشتاء هو فصل الحنين، يقول الشّاعر محمود درويش:

"وللحنين فصلٌ مدلَّل هو الشِّتاء".


رائحة المطر

بعد مرور صيفٍ حارق، تجفّ الأرض من الماء، وتعطش التّربة وكلّ ما ينبت عليها فتذبل، ومنها ما يموت، إلى أن يأتي فصل الشّتاء وموسم المطر، ومع قطرات الشّتاء الأولى التي تلامس التّراب تنبعثُ من الأرض رائحةً لا مثيل لها، ينتظرها كلّ من أحبّ الشّتاء وأحبّ تلك الرّائحة، ويطلقون عليها اسم (عطر الأرض)، نشعر معها بأنّ الأرض ترقص فرحةً بقدوم المطر فتفتح ذراعيها لاستقبال القطرات وترتوِي بعد عطشٍ طويل.


الخاتمة

لكلّ فصلٍ من فصول السّنة جماله ومميّزاته الخاصة، وكلّ فصلٍ هو متمّم لما سبقه، وتلك الفصول تعكس حياة الإنسان وعمره مجازيّاً، وحقيقةً فإنّ تلك الفصول تمنح الإنسان صوراً رائعة عن عظمة الله، أمّا فصل الشتاء ففيه تجتمع أجمل الصّور التي تلخّص الطّبيعة، وحينما تستكين برودة الشتاء وتهدأ العواصف، يبدأ ميلاد الأرض التي أُشبعت بالماء والخير من رب السماء، فيبدأ بعدها الرّبيع بألوانه الزّاهية وهوائه النّقي المنعش الذي اغتسل بماء الشّتاء، فتبدّل الفصول نعمة من نعم الله التي تُوجب علينا شكره.



للمزيد من المواضيع: موضوع تعبير عن فصل الربيع، موضوع تعبير عن الماء