المقدمة
كنا نجلس ظهر يوم الجمعة في حديقة منزلنا أنا والعائلة، نتسامر ونتبادل أطراف الحديث قبل أن نسمع صوت إطلاق نار لم نعرف مصدره، تلاه سقوط عصفور صغير من أعلى شجرة كنّا قد جلسنا تحتها، ركضت مسافة غير بعيدة والتقطت بيدي هذا العصفور الصغير الذي يبدو أنه قد أصيب بجناحه، وأحضرته لوالدي، فأنا لم يسبق وأن رأيت حيواناً جريحاً قبل ذلك، يا إلهي كم هو أمر مؤلم ومثير للشفقة.
العصفور الجريح
بدا العصفور صغيراً غير متمرس في الطيران، لدرجة أنني حملته بكف يدي فنام فيها من شدة الإعياء، وقد كان جميلاً ذا ريش ملون، له عينان برّاقتان، وكان ينتفض من شدة الخوف والألم، حملته بيدي الصغيرتين وجريت به لأبي علّه يستطيع إنقاذه بعد أن أصابته رصاصة صياد ولم تميته كما يبدو، أمسك أبي العصفور الجريح وأعلى الشجرة تعلو أصوات العصافير وكأنها تتداول في أمره، وقد كانت أصواتاً قلقلة أشبه بالبلبلة، وعلى مسافة ليست ببعيدة منّا وقفت عصفورة صغيرة تروح وتجيء في مكانها، كنت قد خمّت أنّها أم هذا العصفور، طلب منّي أبي بعض الماء ولفات الشاش الأبيض، فأحضرتها له من فوري، أخذها والدي مني وراح يمسح بالماء برفق موضع الرصاصة في جناح الطير، فيما تحلّقنا أنا وإخوتي حوله لنطئن على هذا العصفور المسكين، فأخبرنا والدي بأن الرصاصة لم تصبه بشكل مباشر لكنها ربما أصابت طرف جناحه، وهذا من حسن حظّه، ومن حسن حظ تلك لعصفورة الأم التي كانت تستجدي والدي بنظراته بأن ينقذ لها ابنها العصفور، ويعيده إليها سليماً معافى.
علاج العصفور
مسح أبي جناح العصفور وضمّده برفق بقطعة شاش صغيرة، فيما لا زال العصفور يرجف ويرجف، فركضت أمي إلى المطبخ وأحضرت معها طبقاً صغيراً فيه ماء ووضعته أمام العصفور ليشرب، وآخر فيه بعض الحبوب ليأكل منه، لكنّ العصفور أغمض عينيه فشهقنا جميعاً ظنّاً منّا أنه قد فارق الحياة، إلّا أنّ أبي طمأننا أنّه بخير، ويحتاج قليلاً من الراحة ربما، ذهبت أختي الصغيرة هيلدا إلى حيث لا ندري، ثمّ عادت وهي تحتضن وسادتها الصغيرة المزركشة، وتخبر أبي بكلمات ليست مفهومة تماماً أنّها أحضرتها للعصفور لينام عليها ويرتاح، فابتسمنا جميعنا وأخذ أبي الوسادة منها ووضع عليها العصفور بالفعل، فيما استمرينا في مراقبته، والأم القلقة لا تزال على حالها.
بعد ساعات فتح العصفور الصغير عينيه فنادينا أبي وأمي فرحين، لقد بدا متعباً وجائعاً، مما دفع أمي لأن تبلل قطعة من القماش بالماء، ثمّ تنقط له منها في فمه، فامتنع بداية ثم أخذ يشرب ويشرب، وكلما شرب أكثر أفاق أكثر، مما شجّعها أن تضع القليل من الحبوب في كفّها وتطعمه، وبالفعل بدأ العصفور بالتقاط الحبّات، ونحن فرحين حوله.
الخاتمة
مضت ساعات والعصفور يتحسّن أكثر فأكثر، وما إن شارفت الشمس على المغيب حتى استعاد العصفور عافيته، فقرر أبي أن يطلقه ليعود إلى أحضان أمّه وعائلته، وبالفعل أخذه والدي بين يديه، وطلب منّا أن نعدّ معه حتى الثلاثة، فقلنا جميعاً (1، 2، 3) ورمى أبي العصفور في الجو فطار بصعوبة قليلة لكنّه وصل إلى حضن أمّه التي كانت بانتظاره، فرحنا جميعاً فيما نظرت إلينا هذه الأم وبدت تزقزق زقزقات غير مفهومة يبدو أنّها كانت تشكرنا فيها.
للمزيد من المواضيع: تعبير عن الحيوانات، تعبير عن حديقة الحيوان