مقدمة

أعلم أنّ الظروف قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب ما لم ينوِ فعله في حياته أبداً، لكنّ ذلك لا يبرر أن يقوم الإنسان بما هو محرم او خاطئ بسبب الظروف، نعم! نعم! لقد دار هذا الحديث في بالي وأنا أشاهد صديقتي حسناء تمدّ يدها خفية لتسرق مبلغاً من المال من محفظة معلّمتنا الفاضلة أثناء انشغالنا جميعاً بأداء التمارين الرياضية في ساحة المدرسة، رأيتها وأنا أذهب لشرب الماء من حقيبتي، يا إلهي كم ساءني المنظر، أترى يجب علي أن أخبر المعلمة بما رأيتُ، أم يجب أن أسكت كأنّ شيئاً لم يكن؟.


عواقب السرقة

عدتُ إلى المنزل وانزويتُ في غرفتي أفكّر في الأمر، ودموعي تنهمر مني من شدة صدمتي بصديقتنا حسناء، تلك الفتاة المجتهدة التي أعرفها منذ الصف الثالث الابتدائي، طُرق الباب فإذا هي أمّي وقد جاءت تسألني عن سبب شرودي وحزني على مائدة الطعام، فأخبرتها بما حدث وأنا أطلب مشورتها، احتضنتني وأخبرتني بأنّ السرقة أمر محرّم لا شك، وأننا يجب أن نعالج هذا الخطأ وألّا نفكر بأن نسكت عنه بحجة أن لا دخل لنا، فقد أمرنا الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والساكت عن الحق شيطان أخرس، فنحن إن تركنا الخطأ دون أن نعالجه سيتفاقم، ولكن بشرط أن يكون نصحك لأخيك أو أختك المسلمة بالسر لا بالعلن أمام الناس لأنّ ذلك يُعتبر فضيحة له لا نصيحة، وأخبرتني بأنّ الظروف قد تجبر الناس أحياناً على الوقوع في الخطأ لذا يجب أن ننصح بعضنا دوماً وألا نجعل الشيطان ينتصر على من نحب، لذا وبعد تفكير عميق قررنا أن أطلب من معلّمتي أن أتولى أنا ومجموعة من زميلاتي برنامج الإذاعة المدرسي ليوم غد، أخبرتها بذلك عن طريق الواتس أب ووافقت، وبدأنا بإعداد برنامج نقدّم فيه نصائحنا لحسناء فيما يتعلق بموضوع السرقة دون أن تشعر أنّ هذا الكلام موجه لها تحديداً.


في اليوم التالي اعتليتُ منصة الإذاعة ومعي صديقاتي، وبدأنا بآي من الذكر الحكيم وفيه آيات عن السرقة وعقابها، تلا ذلك حديث شريف يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".


وأضفت وقلت: فالسرقة أمر عظيم عند الله تعالى، والسارق عقابه أليم، فالسرقة هي تعدٍ على حقوق الآخرين، والإنسان الصالح يرفض ذلك كما يرفض أن يعتدي أحد على حقوقه، كما أنّ الله لن يبارك أيضاً في مال مسروق، بل سيرزق من يصبر على ظروفه، ويحتسب بأجر عظيم ورزق حلال، ولا شك أن باب التوبة دوماً مفتوح لا يُغلق، قلت ذلك وأنا أنظر لصديقتي حسناء وأرى وجهها يحمر خجلاً لا سيما أنّها فتاة خلوقة وأنا متأكدة بأن هنالك ما دفعها لفعل ذلك.


الرجوع عن السرقة

صعدنا إلى الصفوف وانقضى يومنا الدراسي وكان ضمن برنامجنا حصة رياضة قضيناها في الساحة، شاهدتُ حسناء وهي تتوجه حيث حقائبنا وحقيبة معلمتنا فاطمة، فتبعتها لأرى ما تقرر فعله، وإذ بها تمد يدها وتعيد المبلغ الذي أخذته البارحة وتنطلق عائدة إلى مكانها، ابتسمت وقد شعرتُ بالراحة، وبعد أيام علمت من إحدى صديقاتنا المقربات أن أخ حسناء كان مريضاً وقد نُقل للمشفى، وأنّهم احتاجوا وقتها مبلغاً كبيراً لتغطية مصروفاته، ففهمتُ لم فعلت حسناء ذلك، لكنني علمتُ أيضاً أنّ الله قد رزق أباها صفقة كانت كفيلة بإخراج ابنه من المشفى دون الحاجة لأحد، ولا شك أنّ هذا الرزق هو جزاء رجوعها عن خطئها وتوبتها.


الخاتمة

الحرية والمسؤولية طرفا معادلة علينا أن نحققها بوعينا وإدراكنا، فإن قمنا بذلك صلحت المجتمعات، بل نمت وازدهرت، وعاش كل منّا مع الآخر برضا وسلام ووئام، أمّا إن بحث كل منّا عن حريّته وحسب، ونسي أو تغافل عمّا يتوجّب عليه من مسؤولية تجاه وطنه، ومجتمعه، والإرادة فقد ساء ما ظنّ، وما ابتغى، وخسر في نهاية المطاف.

 

للمزيد من المواضيع: تعبير عن السرقة، تعبير عن الصدق