المقدمة

إنّه فصل الشتاء، وقد وصلت والدي عبر بريده الإلكتروني رسالة من صديق شبابه "فريد" الذي سافر واستقرّ في هولندا منذ عشر سنين يدعونا فيها لقضاء أسبوع بضيافته هناك، لا سيما أنّه لم يرَ وادي منذ ذلك الحين، فوجئ أبي بهذه الرسالة، وبعد تفكير طويل قررنا تلبية دعوة العم فريد، وحزمنا الأمتعة انطلاقاً إلى هولندا وبالتحديد إلى إحدى المناطق الريفية التي يقطنها العم فريد.


بداية المغامرة

وصلنا إلى منزل العم فريد، وكان قد أعدّ لنا ملحقاً مجاوراً لكوخه، وهو عبارة عن كوخ ريفي جميل، يشعر الناظر إليه بالدفء والسكينة، ففيه ثلاث غرف، وموقد نار، وطاولة طعام كلّها ذات طراز ريفي مميّز، وما إن استقرينا، وأفرغنا أمتعتنا بعد سفر متعب، ويوم كامل قضيناه في بيت العم فريد، توجّهنا إلى كوخنا، وكان الوقت قد شارف على منتصف الليل، أخذت أتجول داخل الكوخ لأكتشف ما فيه، فيما غطّ الجميع في نوم عميق، فلم أدرِ عن نفسي إلّا وقد نمت إلى جانب موقد النار حتى الصباح.


في صباح اليوم التالي استيقظت على زقزقة عصافير صغيرة تنقر بعض الحبوب عن حافة النافذة، وأشعة شمس نوفمبر الخجلى تتسلل رويداً رويداً منها، فاتجهت نحو النافذة أراقب هذا المنظر البديع، لتسرق نظري فراشات بديعة الألوان تحوم في الخارج، لقد جذبتني لدرجة جعلتني أفتح الباب وأخرج لأراقبها عن كثب، وهناك رأيت ما لم أعهده في المدينة من مناظر طبيعية جميلة، فالعشب الأخضر كأنّه بساط متقن الصنع قد فُرش على مدّ البصر، وبعض الأبقار البيضاء والسوداء ترعى هنا وهناك، فيما تتراقص الفراشات حولها، أمّا الغيوم فبيضاء قطنية تظلّل المكان، فيما تظهر من خلالها بعض مساحات زرقاء داكنة من السماء.


وصف منظر طبيعي في الشتاء

لفتني منظر جدول صغير يصدر صوتاً كأنّه صوت آلة موسيقية لجماله، فلم أجد نفسي إلّا وأنا أتبعه مستمتعة بمنظر الأسماك الصغيرة فيه، شمّرت عن ساقي قليلاً وقررت السير فيه، فلسعتني برودة الماء الجميلة وسرت في جسدي قشعريرة ما لبثت أن اختفت، فأكملت مسيري وملمس الحجارة الناعم يدغدغ حواسي ويوقظها، لقد كان كل شيء جميل حولي، حتى الجبال السامقة التي تكاد تلامس الغيوم كان منظرها مثالياً، وما زلت أسير وأنظر تحت قدميّ حتى نبّهني صوت نقيق ضفدع قفز من أمامي فنظرتُ ألاحقه بعيني حتى وجدت نفسي قد بعدتُ كثيراً عن الكوخ، فشهقت لا لخوفي ولكن لمنظر تلك البحيرة الجليدية التي تراءت أمامي فجأة وكأنّها بقعة من الفضة، ومن حولها نباتات أخاذة زادتها جمالاً، لقد كان منظراً فريداً أراه لأول مرة في حياتي، وبعض البطات الصغيرات يسرن برفقة أمّهن وهي تشقّ الجليد الذي بدأ بالذوبان رويداً رويداً ليسبحن خلفها، أمّا رائحة المكان فكانت عطرة لدرجة لا أستطيع وصفها، وكان زهر الأوركيد المائي هو سبب هذه الرائحة المميزة في المكان.


الخاتمة

جلست على حافة البحيرة أراقب الحشرات الملونة تتسلل من بيوتها لترى نور الشمس التي أشرقت اليوم على خجل، وبعض طيور تحوم في المكان وتغرّد احتفاء بالشمس، يا إلهي كم هو بديع خلقك يا الله! أخرجت هاتفي التقط صوراً لهذه الطبيعة الغنّاء لأريها للصحب والعائلة، فيما علا من خلفي صوت أبي ينادي باسمي وقد ظنني ضللت الطريق، انتظرته حتى وصل ووثقتُ بهاتفي دهشته بالمكان كما كانت دهشتي، فيما اختفت الشمس على عجل، وتكاثفت الغيمات معاً تُرسل زخات خفيفة من المطر احتفاءً بنا، ونحن نقف مبهورين في هذا المكان الذي يشبه مدن الأحلام.



للمزيد من المواضيع: تعبير عن الشتاء، تعبير عن المطر