المقدمة
أضحى هذا الهاتف الصغير الذي لا يتجاوز حجمه حجم كف اليد نافذتنا التي نطلّ منها على كلّ شيء في الحياة، وليس هذا بالعيب، فالتقدم والتكنولوجيا أمران جيّدان سهّلا علينا الكثير من تعقيدات الحياة، واختصرا ما يمكن اختصاره من صعوبات، إلّا أنّ العيب أن يصبح هذا الاختراع الصغير هو نافذتنا -الوحيدة- التي نطل من خلالها على بعضنا البعض، فبدونه نضيع، وبحضوره تُسلب العقول، وتُسلسل الأيدي، وكأننا له عبيد!.
إدمان الهاتف المحمول
جرّب مرة أن تلاحظ حال شخص قد نفدت بطارية هاتفه المحمول، أو توقّف اتصاله بشبكة الإنترنت بشكل مفاجئ للحظات، أو أن تجلس في مناسبة اجتماعية عريضة لترى عدد الأشخاص المنشغلين بهواتفهم الصغيرة تلك عن مناسباتهم الكبيرة، وجموعها الغفيرة! حينها فقط ستدرك أنّ ما أضحينا به هو ضرب من ضروب الإدمان الذي لا يعاقب عليه القانون للأسف، أقول قولي هذا وأنا لست أفضل من أبناء جيلي، فأنا أيضاً أجالس هذا الاختراع كثيراً، لكنني أحرص دوماً على ألّا يسرقني من عائلتي، ومناسباتي المهمة، ولحظاتي الجميلة بما فيه من سحر.
لا أنكر أنّ للهاتف المحمول سحراً اكتسبه مما يحتوي عليه من تطبيقات لا حصر لها، فهذا تطبيق للتواصل مع الصحب والأحبة صوتاً وصورة، وذلك لتعديل الصور ومقاطع الفيديو، وهذا لحساب ما يمشيه الإنسان من خطوات خلال اليوم، والعديد العديد من التطبيقات التي ما وُضعت إلّا بعد دراسة مكثفة لحاجة الإنسان، والمناحي التي يتطلّب الأمر تغطيتها، ومن هنا تجد الشخص يتسلل من تطبيق إلى آخر، ومن مقطع فيديو إلى آخر، ومن صفحة صديق إلى أخرى حتى تتسلل من يديه ساعات يومه دون أن يشعر، وإنّ في ذلك مضيعة للوقت إن بالغ الإنسان بما يفعل، وخراباً للمستقبل، وتبديداً للأهداف، كيف لا وما يستهلكه الإنسان من وقته هو نفسه ما يستهلكه عالم، أو مفكّر، أو فيزيائي في تجاربه، وملاحظاته، واختباراته، فيسجّل الثاني ما يسجّله من إنجازات، بينما يغرق الأول في خيبته وحاله الذي لا يتغير كل يوم، بين آلاف الفيديوهات والتعليقات والمنشورات التي لا طائل منها!
يعاني معظم الشباب في يومنا هذا من أوجاع غير مبررة في الرقبة والعمود الفقري، وصداع في الرأس، وآلآم في العينين ويهرعون للأطباء باحثين عمّا يسكّن آلامهم، متجاهلين سببها الرئيسي، فكما يقول المثل القديم "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، فطبّك ودواؤك بين يديك، وهما التقنين من ساعات جلوسك بصحبة هذا الاختراع، والانصراف عنه إلى حياتك وتفاصيلها الحقيقية، من جلسات عائلية، ونزهات مع الأصدقاء، ومناسبات اجتماعية، وابتسامات نابعة من القلب، فالحياة أجمل من أن نقضيها حبيسي هذه الشاشة الذكية التي بلّدت فينا العقول، وقتلت بيننا الشغف.
الخاتمة
الهاتف النقال اختراع كغيره من الاختراعات، مفيد جداً إن أحسن الإنسان استخدامه، وضار إن استنفذ كل وقته عليه، فما أجمل الحياة وما أجهلنا حين نضيعها محملقين في شاشات تجذبنا إلى عالم افتراضي لا يشبه عالمنا!.
للمزيد من المواضيع: موضوع تعبير عن الهاتف النقال، موضوع تعبير عن الإنترنت