الموضوع الأول
المقدمة
كنت منشغلاً في تصفح أحد التواصل الاجتماعي حينما ظهر أمامي أحد المشايخ وهو يتحدث عن خلق التسامح، توقفت للحظة وأنا لا أخطط أن أسمع درسه كاملاً، لكن حسن كلامه، وروعة أسلوبه، وقيمة المعلومات التي كان يقدمها جعلاني أستمع له بكل إنصات، وأستذكر لحظات مريرة من الزمن كنت قررت أن أطويها من حياتي، لكنني تفاجأت بأن ذلك لم يحصل.
قوّة التسامح
سرحت في بالي للحظات، وتذكرت الأذى النفسي الذي سببه لي ساري، صديقي منذ عشر سنوات حين ورطني أمام مدير مدرستي وأساتذتي وجميع الطلبة بتهمة بشعة لم أرتكبها أساساً، فقررت منذ ذلك اليوم قطع علاقتي به تماماً، وتجاوز أزمتي، ورغم المحاولات التي قام بها ساري للتواصل معي، إلّا أنني لم أقبل بذلك أبداً، واليوم أشعر بأنّ مقطع الفيديو هذا رسالة من الله سبحانه وتعالى لأسمع ما بها، وأعي أكثر مفهوم خلق التسامح، فها هو الشيخ يبدأ درسه بآية عطرة يقول فيها: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ويقف على تفاصيلها، وكيف جعل الله التسامح خلقاً عظيماً يحتاج من الإنسان من الصبر الكثير، وهذا ما يعلمه الله الخبير بنفوس البشر، لذا قرنه بالجزاء العظيم وهو مغفرة الذنوب، وخير المأوى والمآب وهي الجنّة، فكيف لا أشتري بضاعة الله الغالية ببخس الثمن؟ وكيف أجعل إساءة دنيوية تخلّف في نفسي -بأمر الشيطان- حقداً يقف حائلاً بيني وبين الجنة؟! وكيف أفرّط بحب الله تعالى الذي وعد به العافين عن الناس في سبيل حبّ نفسه، ورغبته بالقصاص لها؟
وأمر كل من يسمعه للدفع بالتي هي أحسن، فليس هنالك من لا يستطيع ردّ الإساءة بالإساءة، والمكر، والخبث إلّا أنّ ثلة من البشر لا يقبلون أن يدنسوا طهر قلوبهم بمثل هذه الأمور، ويؤمنون بأن إخماد الحريق لا يكون أبداً بإضرام حريق مثله، بل بالماء، وماء المشكلات هو الصفح والعفو، وليس أجمل من أن يكون الإنسان مترفعاً عن مشاكل هذه الحياة الزائلة، واثقاً بعدل الله تعالى، وتقديره للأمور، فالظالم سينال جزاءه لا محالة، والمظلوم لا بد منتصر، فلم كل هذا القلق، والرغبة في الانتقام، أو الحقد حتى؟!.
وختم الدرس بفضائل التسامح وآثاره على الفرد والمجتمع، فهل يريد الفرد أكثر من أن تُغفر له خطاياه، وينال رضا الله تعالى، وحبّ عبيده وقبولهم، ويكتب سبباً من أسباب تصالح المجتمع، وتماسكه، وهداه! لا والله لا أريد أكثر من هذا.
الخاتمة
حمدت الله الذي هداني بعد هذه المدة لأسمع صدفة هذه الموعظة القصيرة، التي بدّل بها حالي، وأعاد لي بصيرتي التي فقدتها فترة بفعل الحاسدين المفسدين من الناس، فأمسكت هاتفي، وأجريت اتصالاً بصديقي ساري كان عنوانها "عفا الله عمّا مضى" وواعدته لأراه غداً.
الموضوع الثاني
المقدمة
تتعدّد الأخلاق الكريمة التي يجب على الفرد أن يتحلّى بها، ومنها خُلق التسامح الكريم، والذي يعني العفو عند المقدرة، والترفّع عن أذى الناس، والصفح عنهم إن أخطؤوا يوماً في حقّ الفرد، فالتسامح باختصار هو مرتبة أخلاقية عالية تدفع الفرد للسموِّ بنفسه عن ردّ الإساءة بالإساءة أسوة برسولنا الكريم، ورسالات الرُسل السابقين الذين دعوا جميعهم لهذا الخُلق الكريم، كما يعني التسامح اللين وقبول الآخر دونما تحيّز أو تعصّب، أو تطرّف.
صور التسامح
للتسامح صور كثيرة تكاد تطال كل مواقفنا الحياتيّة، فعلى الإنسان أن يكون متسامحاً في قبول اختلاف الآخر الدينيّ، والفكريّ، والعرقيّ، والقيميّ للآخر دونما تحيّز أو عنصرية؛ فالاختلاف لا يُفسد للودّ قضيّة كما يُقال، ومن صور التسامح أيضاً نسيان خلافات الماضي والإساءة عن طيب خاطر، والعفو عمّن أخطأ في حقّنا لا ضعفاً إنّما رغبة في ثواب ربّ العباد، والنأي بالنفس عن الأحقاد والضغائن، ومن صور التسامح أيضاً فتح أعيننا لرؤية حسنات الناس والتركيز على مزاياهم وتصرفاتهم الإيجابية، وغض الطرف عن زلّاتهم، كما يكون التسامح أيضاً بالحرص على وصل الآخرين ومشاركتهم أفراحهم، وأتراحهم، ومناسباتهم الاجتماعية حتى وإن بدر منهم التقصير في مشاركتنا مناسبتنا أحياناً، حيث يقوم الفرد بذلك رغبة في نيل رضا الله لا أكثر، وقد يكون التسامح في مهلة يمنحها الدائن لمدينه، فيفرّج عنه ويمهله بعض الوقت لتدبير أموره، فالتسامح هو اللين في كلّ الأمر، والرفق في معاملة الإنسان لأخيه الإنسان.
أهمية التسامح
تكمن أهمية التسامح في نيل رضا الله بالدرجة الأولى، كيف لا وهو من قال في كتابه العزيز: ( وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، حيث قرن الله التسامح بدخول الجنّة ورضاه، بالإضافة إلى أنّ هذا الخلق يطهِّر نفس صاحبه من كل ما هو كريه، ويقوده إلى السلام النفسي، فتراه لا يقلقه حقد، ولا تقضّ مضجعه رغبة في الانتقام، فينام قرير العين، مرتاح البال، سامي النفس، والشخص المتسامح شخص قويّ واثق في نفسه، يعرف أنّ تسامحه هذا إنّما جاء نتيجة قوّة داخلية لا يستطيعها إلّا أصحاب الحكمة والصبر، فالأذى والبطش أمران سهلان يستطيعهما أياً كان إلّا أنّ التسامح يتطلّب العزم والقوّة، والتسامح ينعكس على المجتمع بالخير، والفائدة، والسلام؛ فإذا تسامح أفراده قلّت فيه المشاكل، واختفت منه الضغائن، وأحب الإنسان أخيه الإنسان وهبّ دوماً لمساعدته، وتغاضى عن زلّاته، فقلّ العنف وآثارة وعاش الناس بوئام.
الخاتمة
ما أجمل أن يكون الإنسان سمحاً متسامحاً يتحرّى رضا الله عنه، ويعلم أنّ هذه الحياة ما هي إلّا دار زوال لا تستحقّ منه الحقد، والكره، والانتقام، فيحيا بقلب سليم، ونفس تملؤها السكينة يحصد بها مغفرة الرحمن، وحب الناس له وهذان أغلى ما في الوجود.
للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن الإيثار، موضوع تعبير عن الأخلاق