المقدمة

"في أطهر أرض قلبي قد طاف ولبى الله، ونسيت متاعب دربي في مكة إيه والله" لطالما سمعت هذه الكلمات النديّة، فدعوت الله -عز وجل- بأن أكون من عباده المخلصين الذين يمن عليهم برحلة عمرة أو حج إلى هذه المدينة المكرمة أطهر بها فؤادي، وأعيد الاتزان لنفسي، وأريح بها جوارحي، وقد شاءت الأقدار واستجاب الله تعالى لدعائي، وها أنا أشد الرحال وأحزم الحقائب لأنطلق إلى وجهتي المنشودة منذ سنين برفقة العائلة وبعض الأحبة.


مكة المكرمة

ها قد شارفنا على الوصول بعد أيام طال قضيناها براً قاطعين عرض الصحاري والجبال المقفرة، أصواتنا تعانق الغمام بالتلبية والتكبير، ها قد وصلنا إلى هذه البلد الكريمة، وهذه المدينة التي قُدّست بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها منذ ألف عام ويزيد، إلى الأرض التي رفع فيها أنبياء الله إبراهيم وإسماعيل بيته الحرام، إلى الأرض التي تقلّد فيها الرسول الكريم وسام دعوته، إلى هناك حيث غار حراء، وجبل عرفات، والصفا والمروة، رباه لم أعهد قلبي، وقد خفق بهذه السرعة من قبل، ولا جوارحي وقد سعدت بسفر كهذا من قبل.


وصلنا إلى مكة، وقد استقبلتنا جبالها الشامخات الشاهدة على دعوة الرسول الكريم، وشقائه حتى يبلغ دعوته، ويوصل دديانته العظيمة لتضحي كما أضحت اليوم من أولى ديانات العالم، يا لهذه الأرض وطيبها الذي ينعكس على هوائها، وطيبة ساكنيها وأهلها، توغلنا فيها أكثر فأكثر وكنا نسابق الخطى لنلحق بصلاة الجمعة في الحرم المكي، وبالفعل قسم لنا الله صلاتها فيه، لقد كان للحرم بهاء وجلال رغم دخولنا على عجل، وقد كان صوت الإمام بديعاً لدرجة أنني فقدت السيطرة على دموعي، فنزلت خشية، وخشوعاً، وفرحاً، وما إن أنهى الإمام الصلاة حتى قمت مسرعة أريد رؤية بيت الله الحرام للمرة الأولى، ويا لهول المنظر حين تجلت أمامي كحسناء، فلم أملك من أمري إلّا أن أسبح الله أمامها وأهلل، لم أصدق نفسي فرحت أؤدي العمرة، وقد نسيت تعب السفر، أراد أهلي الرجوع إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة، فلم أعد معهم، بل ظللت أطوف متأملة ذلك الحسن الرباني الذي حظيت فيه.


في مكة تختلف الأشياء جميعها، فتحس بقرب الرحمن منك رغم وجوده -جلّ وعلا- في كل ناح، وتستنشق هواء قد اختلط بنفَس الرسول اللاهث أثناء دعوته، وتسير في شوارع قد تفطرت من السير فيها أقدامه وأقدام من والوه، في مكة المكرمة صوت الأذان يصدح بحنجرة بلال، والصلاة تُقام بتكبيرات عمر بن الخطاب، والآيات تتُلى بخشوع عثمان، والمساكين تُطعم برفق أبي بكر، لله درّك من مدينة تفوق الوصف!.


الخاتمة

بقيت على حالي هذا خمسة أيام لم أشعر بها بالدنيا وما فيها، فقد كانت روحي تحلّق في روحانيات هذه المدينة وحسب، وفي اليوم السادس أذكر أنني ما غادرت بيت الله منذ صلاة العشاء وحتى انطلاق حافلتنا في الساعة الثامنة صباحاً إلى المدينة المنورة، وقلبي يلتهب من فرط التعلق، وروحي تنتحب من لوعة الفراق، ودموع تُذرف من رهبة الوداع، وها أنا أدير ظهري داعية الله تعالى بعودة قريبة إليك يا مدينة الرسول.



للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن رأس السنة الهجرية، موضوع تعبير عن كيفية تطوير المدن