المقدمة
تسللتُ إلى الصف، دون أن يشعر بي أحد، بعد أن كتبت رسالة لصديقي معن، واضعاً له إياها في صندوق الرسائل السري الذي علّقه المعلم مرة إلى جانب السبورة، وطلبَ منّا تفعيله بإرسال ما نريده من رسائل، أو كلمات شكر أو اعتذار، أو عتاب إلى بعضنا البعض من خلاله، وها نحن نأخذ بنصيحته ونتراسل كل حين، أما عن رسالتي لصديقي معن، فقد كانت هذه المرة سرية حقاً، أعمل بها بوصية رسولنا الكريم الذي علّمنا نصح إخواننا بالسر لا بالعلن، وقد قررتُ تقديم نصيحتي بهذه الطريقة الخاصة جداً لصديقي معن.
الرسالة
استغرقتُ وقتاً طويلاً لكتابة رسالتي هذه فقد كتبتها بعناية بالغة، فأنا أريد من ورائها نصح صديقي معن بترك سلوك ذميم - هو السرقة- دون جرح شعوره، أو تعريضه للإحراج أمام الصحب والأصدقاء، فغايتي من النصح هي تقويمه لا فضح أمره، إدراكاً مني أنّ كلاً منا يمكن أن يتعرض إلى ظرف في يوم ما قد يدفعه للتصرف بطريقة لم يكن يتوقع القيام بها يوماً، وأنا بذلك لا أبرر الوقوع في الخطأ بحجة الظروف، لكنني أمنع أخي من الانقياد وراء خطوات الشيطان الذي يستدرجه قليلاً قليلاً إن نحن لم نحول بينهما.
نص الرسالة
عدنا جميعاً من الفسحة المدرسية، فرأيت معن وقد لمح طرف الرسالة في صندوقه فتوجّه لأخذها، فتح معن الرسالة أثناء سيره من ركن الرسائل إلى درجه، فتبدل لونه وطوى الورقة وقد قرر قراءتها في وقت لاحق كما يبدو، مع أنني حرصت كثيراً على عدم جرح مشاعره، وقد كتبت له فيها: عزيزي وأخي معن قد يتعرض الإنسان منّا لبعض الظروف التي تدفعه إلى ما لم يكن ينوي يوماً فعله، فيفعله وفي قلبه بذرة الخير التي أعهدها فيك وهي ما ستمنعه من الاستمرار في ذلك، واتباع خطوات الشيطان خطوة خطوة حتى تصل بنا إلى الهاوية، فالسرقة خلق شنيع استدعى أن يقول الرسول الكريم فيه: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، ألك أن تتخيل حجم بغض السلوك الذي يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة حد كهذا على ابنته إن هي ارتكبته؟!، فما يسرقه الإنسان هو مجهود إنسان آخر قد تعب وشقي في تحصيله، وهو ما يعني ظلمه، وقد رفض الله تعالى الظلم والعدوان وحرمه على نفسه وعلى عباده، وأنا أظن بك الخير وأعلم أنك أنت أيضاً لن ترضاه.
عزيزي معن يبارك الله في الشخص الذي يطلب حلاله ويسعى له بكل قوة، ويمحق الرزق الذي يأتي من طرق غير شرعية كالسرقة والربا وغيرها، لذا أنصحك أنا أخوك وأنصح نفسي بأن نجتهد ونسير في طرق المثابرة والكسب الحلال وما أكثرها، وما أجملها لنبني مستقبلاً نفخر به أمام الله ورسوله أولاً، ثم أمام أنفسنا وأبنائنا فيما بعد، وندعو الله بالقبول والثبات.
الخاتمة
كنت أتابع معن وقد انطوى على نفسه في آخر الصف يقرأ الرسالة، وقد اغرورقت عيناه بالدموع فمسحها قبل أن يلحظها أحد، وطوى الرسالة وعاد إلى مقعده شارداً طوال الحصتين الأخيرتين، ومنذ ذلك اليوم لم ألمح معن الذي رأيته مرات عدّة يمد يده إلى أموال الغير وقد كرر هذا السلوك، فيا ربي احفظه وثبّته وارزقه.
للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن الصديق، موضوع تعبير عن الأمانة