الأب

الأب هو ربُّ البيت وعاموده الصّلب الذي يُفني عمره ليبقى البيت عامراً بالحبّ وكلّ أشكال الخير، وهو مَن لا تقرّ عينه إلا عند رؤيتنا بخير لا ينقصنا شيء، ففرحه مقرونٌ بفرحنا، وحزنه المكبوت في أعماقه يُولد إن شعر أنّنا غير سعداء، وهو مستعد لأن يوصل الليل بالنَهار في سبيل إعادة البسمة والبهجة إلى حياتنا، والأب هو الحصن المنيع، والسكن الدافئ، ورضاه من رضا الربّ في السّماء.


في وصف أبي

سأتحدّث اليوم عن أبي، عن تجاعيد وجهه التي نحتت وهو يكدّ ويشقى لنكبر في خيرٍ وسلام، فهو ربّ البيت على الأرض، ومن أوصى به ربّ السّماء، وشدّد على وجوب البرّ به وطاعته، فالأب هو الرّحمة التي بعثها الله لنا، حيث لا يغمض له جفنٌ إن شعر بأنّ هناك ما يؤرّقنا، أو إن شكّ بأنَّنا نشكو من التّعب، فيحاول إيجاد السّبيل ليحمل عنّا همومنا، وإن تعبنا يسعى لأن يفدينا بكل ما يملك، حتّى لو كلّفه الأمر روحه وأعواماً من عمره، فهل من إنسانِ آخر يمكن أن نجد الأمان في ظلّه غير الأب! لقد كذب من قال هذا، وكذب من قارن حنان الأب بحنان أي مخلوقٍ بشري آخر.


عند أوّل صرخة لي في الحياة رقدتُ باطمئنانٍ في أحضان والديّ، وهو ينظر إليّ بتمعنٍ ودهشة شاعراً بأنّ الحياة منحته كلّ خيرها بصرخاتي، يعاود النّظر والاقتراب، وقلبه الكبير يزداد نبضاً وحبّاً، ثمّ يحملني بين ذراعيه في صغري، ويستمر احتضانه لي مهما كبرت، ويبدأ في رسم التّفاصيل والصّور لمستقبلي الذي لا يصوّره عقله إلا مشرقاً، ويردد في صمت: سأحميك بكلّ ما أوتيت من قوّة، وسأبقي الفرح يسكن قلبك، وستكون ذا شأنٍ عظيم، وأسأل الله أن يقدّرني على أن أمهّد لك الطّريق المحفوف بالأمان نحو غدك يا صغيري، وأسأل الله أن تكون من أبناء السّلامة.


واجبنا نحو الأب

كلّ الأديان السّماويّة أوصتنا بالأب وضرورة البرّ فيه، فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

"إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ"، وقال أيضاً: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ".

فعقوق الوالدين سبب في غضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة، وعلى العكس من ذلك برّهما.


الخاتمة

الكلام عن الأب والوالدين يطول ويطول، فهما هبة الله ونعمته على الأرض، ولا يعلم عظمة هذه النّعمة إلا اليتيم الذي حُرم من أبويه أو أحدهما، فهما الرّحمة والسّبيل إلى الجنّة، وهل بعد كلّ تضحيات الأب نجد من يعقّ به! فكلّ إنسانٍ يحبّ الخير لنفسه إلّا الأب فهو يكدّ ويشقى ليكون كلّ خيره وحياته لأبنائه، فرفقاً بمن حملانا ضعافاً حتى كبرنا وقوينا، ورفقاً بنفسك يا من تستهين بهما وببرّهما وطاعتهما، فإنّك لمن الخاسرين في الدّنيا والآخرة إن فعلت.



للمزيد من المواضيع: تعبير عن الام، تعبير عن الاعتناء بالعائلة