المقدمة

قال محمود درويش يوماً:

أحنّ إلى خبز أمي

وقهوة أمي

ولمسة أمي

وتكبر فيّ الطفولة

يوماً على صدر يومي

وأعشق عمري

لأني إذا متّ

أخجل من دمع أمي


وهو في هذه الأبيات لم يكن يحن إلى الخبز والقهوة من يديها فقط، بل كان يحن إلى كل ما تلمسه يداها، فالاشتاق للأم يشبه الاشتياق للوطن، لا ينطفئ أبداً إلى حينما تعود إليهما، وتلقي بنفسك في حضنيهما، فلا بديل عنهما مهما زرت من أوطان، وعشت من نِعَم، فالأم نعمة لا توازيها نعمة أخرى.


الشوق إلى الأم

في البعد عن الأم تبدو كل الأشياء صعبة وإن كنّا نستطيع أن نقوم بها، فالاشتياق لها لا يشبه أي شعور آخر، فهو يجعل كل الأشياء تبدو بشعة لا طعم لها، وكأنّ الله سبحانه وتعالى وضع فيها سحراً فأضحت كالزهرة البديعة تنشر حولها عطراً يملأ المكان، ليصبح أكثر أماناً وجمالاً، فتشعر بوجودها بالسكينة والأمان اللذين لا تشعر بهما دون وجودها، أفتقد إلى أمي في هذه الغربة القاسية، فلا أجد الحضن الدافئ الذي أرتمي فيه عندما أحزن، ولا أجد اليد الحانية التي تمسح عن خدي الدمعة حينما أبكي، ولا أشعر بلذة الفرح التي كنت أراها في عينيها عندما أفرح، أشعر أن الشوق إليها يحوّل المكان من حولي إلى صحراء قاحلة، أقف أنا وسطها أبحث عن جرعة ماء تسقيني إياها أمي بيديها الطاهرتين فأرتوي.


لقاء الأم

يشعر الإنسان فور لقائه بأمّه، وارتمائه بحضنها بالدنيا تتبدل من حوله، لتصبح أكثر جمالاً واتّساعاًً، فهو مهما مرّ عليه من مشكلات بعدها سيجد من يقويه عليه، ومهما مرّ بأحزان سيستطيع تجاوزها، ومهما أحس بصعوبة أهدافه سيجد من يشدّ عزيمته ليحققها، فنظرة الأم وحدها تكفي لكي تجعلك تشعر بالحماس والإرادة وتحقق المعجزات، حقاً إنّ العودة إلى حضن الأم يشبه العودة إلى الوطن، فأنا بدون هذه السيدة العظيمة مشرّد حتى لو عشت في القصور، وحزين حتى لو امتلأت الدنيا من حولي بالأفراح، وجائع مهما وُضع أمامي من أصناف الطعام والشراب، ياه ما أجمل أن أطبع قبلة على يدها ورأسها، وأستنشق رائحتها التي اعتدت عليها منذ صغري، فأنا مهما كبرت أشعر أنني ما زلتُ صغيراً أمامها، ومهما اعتمدت على نفسي أحس بأنني أحتاجها دوماً، ومهما وصلت إلى مراكز أشعر أنني أحتاج إلى نصائحها، فيا ربي لا تحرمني هذا الدفء، وأطل بعمرها.


الخاتمة

للبعد عن الأم مرارة لا يستطيع أن يصفها الإنسان، وفي غيابها لا يكفيه أحد من الناس، فالأم بالنسبة للإنسان هي عالم كامل، إن غابت أصبح المكان حوله خالياً مهما امتلأ بالبشر، فعلينا أن نغتنم وجودها، وننهل من حبّها وحنانها حتى نرتوي، وأن نطيعها، ونحترمها، ونقدّرها حتى لا نندم يوماً إن غابت، أمّا عن أولئك الذين رحلت أمهاتهم إلى جوار رب رحيم، فعزائي لكم وإن لم يكفي، وجمعكم الله بهنّ تحت عرشه يوم القيامة إن شاء الله.



للمزيد من المواضيع: تعبير عن فضل الأم، تعبير عن الأم