المقدمة

الأخ كلمة صغيرة تحمل في ثناياها الكثير الكثير، فالأخ هو روح أخرى في جسد آخر، وهو سندك في هذا الزمان، فكم من ملكت من أصدقاء سيبقى الأخ أخاً لا تعوّضه الأيام، وقد قال الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام لما اضطرب، وقلق حينما همّ بالذهاب لدعوة فرعون (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (سورة القصص، آية: 35)، وذلك بعد أن دعا سيدنا موسى الله بأن يبعث معه وزيراً من أهله وهو هارون عليه السلام، وفي ذلك دليل قوي على أنّ ليس هناك أحب للإنسان من أخيه الذي لن يجد من يحب له الخير في الدنيا بقدره.


مرض أخي

دخلتُ البيت بعد غيابي في المدرسة لوقت طويل، وقت لاحظت سكونه وهدوءه غير المعهودين، فاستغربتُ لذلك وأنا التي يستقبلني مازن الذي هو أخي الشقي فور عودتي من المدرسة على الباب، بعد أن أكون قد سمعت صوت ضحكاته، وقفزاته قبل أن أدخل البيت، فيقبّلني ويحتضنني فأضمّه باشتياق، وأخرج له من حقيبتي ما أحضرته له من أشياء، فيأخذها ويروح راكضاً إلى غرفته ليأكلها، ثمّ يتذكّر فيشكرني وهو يركض في طريقه إلى غرفته، لكن اليوم! لم أسمع صوت مازن من الخارج! ولم أجده بانتظاري عند الباب، ترى ما الحكاية؟!


توجهتُ إلى المطبخ فلم أجد أمي فيه كالعادة فازداد قلقي، فتوجهت إلى غرفة مازن لأجده طريح الفراش، وأمي تجلس إلى جانبه وهي تمسك وعاء من الماء وفي يدها كمادات تبدّلها مراراً وتكراراً وتمسح فيها وجه هذا الصغير الذي يكاد ينفجر من شدّة الحرارة على ما يبدو، رميتُ حقيبتي على الأرض ودخلتُ أتحسس جبين ملاكي الصغير، وأسأل أمي بلهفة: أمي، ما به مازن؟؟ ما القصة؟ ردّت أمي بصوت خفيض: لا تقلقي يا ابنتي، أخوك بخير، لقد غادر الطبيب بعد أن رآه منذ قليل، وأخبرنا بأنّها مجرد حمى ستنقضي بعد أيام إن شاء الله، وكتب له بعض الأدوية التي سيتحسن بعد أخذها.


دمعت عيناي وأنا أرى صغيري الحبيب ينتفض أمامي، فأخذت أقبّله مرة، وأمسح على جبينه مرة، ومرة أبدّل الكمادة عن رأسه، وأدعو له بأن يشفيه الله مرة، فالأخ هو نور البيت، والحياة فيه، بدونه تبدو الأيام بشعة لا حلاوة فيها، هو السند، والصديق، ظللتُ جالسة إلى جانب سرير مازن لا أتركه إلا أوقات الصلاة والذهاب إلى المدرسة، فيما نواظب على إعطائه أدويته في مواعيدها، وبعض الحساء ليتماثل للشفاء.


الخاتمة

مرّت ثلاثة أيام على مرض مازن، والتحسّن على حالته طفيف، أمّا أنا فحزينة لا يسعدني شيء، رنّ جرس الحصة الأخيرة وحان وقت العودة إلى البيت، فركضت مسرعة وما إن دخلت البيت حتى توجّهت إلى غرفة مازن وجلست إلى جانبه، وما هي إلّا لحظات حتى فتح هذا الصغير الشقي عينيه، وأمسك يدي قائلاً: أين حصّتي من الحلويات التي تحضرينها لي، لثلاثة أيام فائتة؟" ابتسم قلبي لصوته، فضحكنا جميعاً على كلامه وضحكت الدنيا أخيراً من جديد.


للمزيد من المواضيع: تعبير عن الأخت، تعبير عن الاشتياق للأم