المقدمة

وَلَقَد تَمُرُّ عَلى الغَديرِ تَخالُهُ وَالنَبتُ مِرآةً زَهَت بِإِطارِ

حُلوُ التَسَلسُلِ مَوجُهُ وَجَريرُهُ كَأَنامِلٍ مَرَّت عَلى أَوتارِ

أخذتني ذاكرتي حيث قصيدة الشاعر أحمد شوقي في وصف الطبيعة وأنا جالس بمحاذاة الشباك في رحلتنا إلى الريف هذه، لا أذكر أنني تحدّثت مع صديقي راجح الذي يجلس بجانبي، أو مع أيّ من زملائي كلمة منذ دخلنا هذه المنطقة الريفية، فروعة المنظر، أسرتني وسرقتني من نفسي ومنهم، فسبحانك ربّي ما أعظمك!


في وصف الحقول

كلما توغّلنا في المنطقة الريفية أكثر، وتراءت أمام أبصارنا الحقول البديعة بخضرتها، والمتنوعة بمزروعاتها، ازدادت عيناي اتّساعاً لدهشتي، وأخذ لساني يلهج بالتسبيح، فأنا فتى ولد وعاش طوال حياته في المدينة، ولا أذكر يوماً أنني زرتُ الريف، ورأيت كل هذا الجمال في حقولها، وأراضيها، وناسها، هاهي الحقول تترامى أمام عيني فلا أكاد أرى آخرها، وقد بذرها أصحابها، وانتظروا خيراتها لمواسم عديدة، قد سقوها خلالها، وشذّبوها، ونظّموها حتى تغدو جميلة كما هي عليه الآن.


تتلألأ أشعة شمس الصباح مع الساعة السابعة صباحاً، وتتسلل لتمسح على رأس السنابل الجميلة وتطبع على جبينها قبلة حانية فتستيقظ معلنة يوماً جديداً، ترفع هذه السنابل رأسها لتستنشق عبير الصباح الزكي، وتمسح عن خدّيها قطرات الندى الزكية استعداداً ليوم جديد، وتدير رأسها يمنة ويسرى لتلمح أسراب الفراشات البديعة قد جاءت تداعبها، وتكمل جمال هذه اللوحة الفنية، أمّا النحلات النشيطات، فقد بدأ يومهن باكراً لإعداد ما لذّ وطاب من أنواع العسل، وها هنّ قد جئن للحقل ليسلّمن على صديقاتهنّ السنابل، ويتراقصن على أنغام تغريد العصافير على الأشجار.


في وصف الفلاح

ولا تتزين الحقول وتكتمل روعتها إلّا بأصحابها الفلاحين، فسنابل القمح هذه قد تربين على يد الفلاح منذ كنّ حبّات صغيرات، غرسهن في الأرض بيده الكريمة، واستودعهن الله، وسقاهنّ وحنا عليهن، حتى غدون غاية في الجمال كما نرى، واليوم نراه يدور في حقله هذا كما الأب الحاني، يزيل من بينهن الأعشاب، ويحفر بفأسه القوي القنوات حتى تدفق مياه النهر بينهن وتنساب بخفة لتروي عطش السنابل، وأشجار البرتقال على أطراف الحقل، أمّا الزهور فتتناثر بألوانها الزاهية هنا وهناك لتزيد المنظر سحراً، وبعض الخراف الصغيرة البيضاء تصطف على حافة النهر لتروي عطشها من مائه الصافي، فيما تبدأ الشمس بالتحول للون البرتقالي الأخّاذ معلنة نهاية نهار طويل يعود فيه الفلاح إلى مأواه استعداداً لغد جديد.


الخاتمة

في وصف الحقل تتوه الكلمات، وتختلط المشاعر، فما أجملها من لوحة أبدع الخالق في رسمها، وأحسن الإنسان استغلالها!



للمزيد من المواضيع: تعبير عن وصف منظر طبيعي في الشتاء، تعبير عن نزهة إلى الغابة