المقدمة

لا بد لكل بداية من نهاية، ولكل طريق محفوف بالصعاب من وصول، شعور لا يوصف، وفرحة غامرة هذه التي أحسّ بها وأنا أعيد كيّ قميصي الذي سأحضر به حفل تخرجي من الجامعة مرة بعد مرة، وها هي بدلتي السوداء، وربطة عنقي الزاهية، وحذائي اللامع جميعها حاضرة لارتدائها في أهم مناسبة في حياتي، وأنا حين أقول أهم مناسبة أقصد ذلك حرفياً، فليس بعد الفرحة بما يحققه الإنسان من نجاح وتفوق فرحة، وإن كانت فرحة ارتباطه بشريك حياته، ففرحة التخرج هذه فريدة من نوعها، ولا توازيها فرحة.


يوم التخرج

حان اليوم الموعود، فارتديت بدلتي وربطت لي أمي وقرّة عيني ربطة العنق، وأنا أناظر في عينيها اللامعتين اللتين خالطت جمال سوادهما الدموع، مسحت دموعها بكفي وأخذت أقبل كفيها الحانيتين اللتين لولاهما لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن، فأنا وإن كنت سأتخرج من كلية الطب البشري اليوم بعد سنين طوال، لستُ بشيء أمام قامتك العالية أنت وأبي، احتضنتها وأبي يناظرنا قريباً من الباب، ويشير لنا بأننا سنتأخر على اليوم الذي حلمنا به جميعاً منذ سنين، وصلنا فدخلت أنا إلى قاعة الخرجين، فيما غابوا هم عن أنظاري وتواروا.


هناك لقيت الصحب والأحبة من الزملاء الذين قضيت معهم أحلك الساعات الدرسية وأصعبها فساندوني خلالها، وأجمل اللحظات وأسعدها فشاركوني إياها، في هذه الأروقة تشاكينا من طول ساعات الدوام وصعوبة الاختبارات، وتشاركنا هموم الورديات الطويلة، وقسوة أساتذتنا الذين لطالما أرادوا لنا الصلاح، وعلى هذه المقاعد عشنا تفاصيل حياتنا بكل ما فيها، أخذنا نتجول هنا وهناك، ونستذكر أجمل اللحظات في آخر ساعات لنا في زوايا هذه الكلية، سرنا مرتدين أثواب تخرج وقبعات تشهد على صعوبة الطريق الذي سلكناه حتى وصلنا إلى هنا، سرنا وأيدينا تتشابك للمرة الأخيرة قبل أن تفرقنا سبل الحياة، وتجمعنا غاية سامية واحدة هي إعمار المجتمع، وخدمة من فيه.


مشاعر مختلطة لا أستطيع لها وصفاً أشعر بها الآن وقد اصطففنا للخروج إلى قاعة الحضور حيث الأهل تمازج قلوبهم مشاعر الفخار بنا، وأعينهم تفيض بالدمع الندي لفرط فرحتهم، وهذا نشيد الكلية يصدح في الأنحاء، فيقشعر جسدي ويشير عريف الصف إلى الانطلاق، فنمر وسط الحشود التي أخذت تصفق بحرارة لم أعهد لها مثيلاً، وتهتف بصوت يعج بالفرح، فتتسامق روحي وتجاوز همتي عنان السماء، نجلس على مقاعدنا وكل يبني في خياله مستقبلاً ناصعاً يحلم في تحقيقه، ويعلن عريف الحفل نهاية فقراته، والوصول إلى أجملها على الإطلاق "إعلان أسماء الخريجين"، وتتوالى الأسماء، والبسمات، والهتافات، ويصدح اسمي في القاعة فأهب بطاقة لا مثيل لها لأستلم شهادتي التي لطالما بها حلمت، وألوح لأبي وأمي والعائلة فيردونها علي بالزغاريد والورود المنثورة، وينتهي الحفل وأركض لأرتمي في حضن أمي وعائلتي التي لطالما قوتني على مواصلة المسير.


الخاتمة

نعود جميعاً في موكب كبير محمل بالحب والزهور، وزوامير السيارات تُطلق فينا حماساً منقطع النظير، وأمي ممسكة يدي بفخار، تلك اليد التي أعاهد الله عليها منذ الآن، بألا تمتد في غير مصلحة الوطن، وإرضاء الضمير.



للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن النجاح، موضوع التعبير عن النجاح والفشل