المقدمة

جاء القرآن الكريم موضحاً لنا كل أمورنا الدنيوية، من عبادات، وقصص، وصفات للمؤمنين والكفّار، والمنافقين، وما سيلقاه كل فريق من جزاء، وغيرها من الأمور، وكان من هذه الفِرق التي ذكرها الله في كتابها، بل وشرّفها بنسبتها إلى نفسه "عباد الرحمن"، فالناظر في تسمية هؤلاء يتحرّق شوقاً لمعرفة صفات هذه الثلة التي خصّهم الله بنسبتهم إليه، وجعلهم في كنفه، ترى ما هي صفاتهم؟، وبما امتازوا حتى استحقوا هذا القرب الإلهي من الله عزّ وجل؟، والناظر في آياته سيجد إجابة على كل أسئلته حيث قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً* وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) إلى آخر الآيات التي اختصت بذكرهم والوقوف على صفاتهم.


مَن هم عباد الرحمن؟

عباد الرحمن هو لقب أطلقه الله على ثلة من عباده، حيث وصفهم بصورة معينة، يميز فيها سلوكهم في الحياة وفي أنفسهم، وتعاملاتهم مع من حولهم من إخوانهم البشر، ومما لا شكّ فيه أن استخدام الله لاسمه (الرحمن) دون غيره من الأسماء يوحي بالرحمة والسكينة التي يتمتع بهما هؤلاء في أرواحهم، وصفاتهم، وتعاملاتهم، وذلك الهدوء النفسي، والسلام الداخلي، والرضا الذي يغمرهم.


صفات عباد الرحمن مع الخَلق

إنّ من المسؤولية التي تقع على عاتق هذه الثلة من البشر بعد أن نسبهم الله إليه، التحلي بالأخلاق الكريمة والعظيمة أثناء تعاملاتهم مع الناس، فعباد الرحمن كما يظهر في الآيات يمشون بتواضع وسكينة، فلا تراهم يثقلون الأرض بمشيتهم، فينتقلون من مكان إلى آخر بتكبّر، وخيلاء وتباهً لا داعي لها، فيسيئون بذلك لمن حولهم، ويلفتون إليهم الأنظار قصداً، بل هم أشخاص واثقون بأنفسهم يمشون بتؤدة وسكينة لا تسبب الضيق لمن حولهم ولا تضر، وهم أشخاصٌ الحلم مبدأهم في الحياة، والعقل منطقهم فيها، فتراهم لا ينجرون وراء الجاهلين إذا ما حاولوا استفزازهم واستثارتهم بنقاشات عقيمة سفيفة، وألفاظ فيها سب أو شتم، بل تجد الحلم يحرّكهم للابتعاد عن طريق هؤلاء المسموم، واستثمار أوقاتهم بما هو مفيد ومثمر حفاظاً على مثلهم العليا، وسلامهم النفسي، كما تراهم لا يطمحون لإصلاح أنفسهم وحسب، بل يطمحون بأن يكونوا قدوة وإماماً للمتقين في صلاحهم، وتدينهم، وطموحاتهم وإنجازاتهم العملية أيضاً.


صفات عباد الرحمن في حضرة الخالق

يتمتّع هؤلاء الثلة بالإيمان العميق، والإحساس بلذة القرب من الله تعالى، والخضوع له، والتذلل في حضرته في كل الأوقات ولا سيما في جوف الليل وأشباههم من الناس نيام، فهم يعرفون أن لليل أسرار، ولعتمه عند الله خصوصية وسكينة يلقيها على قلوبهم التي تشبه أفئدة الطير برهافتها ورقّتها، فيبيت الناس بمضاجعهم فيما يصاحبون هم مصاحفهم، وسبحاتهم يدعون الله ويتضرعون إليه، ويطلبون قربه، ومغفرته وعتقه من النار، فيظهر ذلك في دموعهم المتوسلة وابتهالاتهم التي تقشعر لها الأبدان، لأنهم يعلمون أنها سوء الدار والمستقرّ، وهم لذلك يبتعدون عن كل ما يمكن أن يؤدي لها من شهادة زور، وإسراف في المال، فتراهم لا يقولون إلّا الحق أو يمتنعوا عن ذلك، ولا ينفقون أموالهم -التي يعلمون أنّها نعمة من الله عليهم الحفاظ عليها- إلّا في وجوه النفع والطاعة ومن غير تبذير، أمّا إن دعاهم الناس لسماع آيات الله تعالى والوقوف عليها، فيقفون عليها بقلوبهم قبل أسماعهم، ويستشعرونها بقلوبهم وعقولهم طالبين الهداية والمغفرة.


الخاتمة

عباد الرحمن دائمو الرجاء في وجه الله الكريم، والطمع في هباته وأعطياته، مواظبون على وصله ودعائه بأن يمنّ عليهم دوماً بالسكينة والسلام النفسي مع أزواجهم، وذرياتهم لتقر أعينهم حتى يلقوه.



للمزيد من مواضيع التعبير: موضوع تعبير عن حب الله، موضوع تعبير عن مكارم الأخلاق